عندما تقرع أجراس هزيمة هي على الأرجح مؤكدة، سوف تلحق بحزب «المحافظين» بعد الساعات الأولى من بدء الانتخابات البرلمانية الأسبوع المقبل، وستكون مدوّية؛ كونها غير مسبوقة من حيث نسبة اكتساح حزب «العمال» المنافس دوائر انتخابية كانت في السابق حكراً على خصمه العنيد، من المرجح أن يدق ناقوس المحاسبة داخل مختلف مستويات الحزب البريطاني العتيد؛ للبحث عن جواب للسؤال بشأن أسباب هكذا هزيمة بعد أربعة عشر عاماً أمضاها «المحافظون» في مقاعد الحكم، بدأها لورد ديفيد كاميرون (وزير الخارجية حالياً) عام 2010.
إجابة السؤال، باختصار، تقول إن جلوس أحد الأحزاب على مقاعد الحكم طوال فترة طويلة كهذه، هو في حد ذاته سبب منفر لمعظم الناس بأي مجتمع ديمقراطي؛ الأمر الذي يدفع أغلبهم إلى طلب التغيير، حتى لو كان مغامرة غير مضمونة العواقب. ضمن هذا السياق، تنقل جريدة «صاري كوميت» عن جيمس أندرو كريغ، الذي سيقترع في دائرة ويمبلدون، ما خلاصته أن التغيير مطلوب للخلاص من «أسوأ حكومات المحافظين، وسلسلة الكوارث التي ورثتها الحكومة الحالية عن سابقاتها». في المقابل، هناك الناخب الذي يضع موقف الشخص نفسه جانباً، فيقدّم عليه ما يرى أنه في صالح البلاد؛ درءاً لخطر العواقب غير المُنتظرة لأي تغيير مفاجئ.
من أولئك كريس هاول، الذي يقول لي إنه لا يتفق مع أي من سياسات حزب «المحافظين»، لكنه لن يقترع لصالح حزب «العمال». لماذا يا كريس؟ يجيبني الشاب الخمسيني، بما خلاصته أن الحزب العمالي سوف يدمر بريطانيا، وقد يجرها إلى حرب مع روسيا. استنتاج غريب يدفعني إلى مزيد من الاستيضاح، فإذا بالرجل المنتمي إلى طبقة العمال، يفاجئني بتحليل مضمونه أن حزب «العمال» سيترك أوكرانيا تقاتل روسيا وحدها؛ مما سيشجع بوتين على التوسع في أوروبا، وستجد بريطانيا نفسها في حرب مباشرة ضده. مَن سينتخب كريس إذنْ؟ يجيب أنه سيضع صوته في صندوق مرشح حزب نايجل فاراج. توضيح كريس هذا يزيل الاستغراب. ذلك أن منهاج المشاغب نايجل فاراج، البارع في إثارة الضجيج، والفاشل في الحصول على أي نصيب ذي قيمة من الكعكة الانتخابية، ينجح فقط في خلط الأوراق، وفي سحب أصوات من صناديق مرشحي بقية الأحزاب، وخصوصاً حزبي «المحافظين» و«العمال». ذلك إجراء يُقدِم عليه بعض الناخبين بغرض إبداء امتعاضهم فحسب، ويعبر عنه المصطلح المعروف «TACTICAL VOTING»، أي الاقتراع التكتيكي.
إضافة إلى ما سبق، ثمة جانب يتفق بشأنه أغلب المراقبين، داخل بريطانيا وخارجها، وخلاصته أن هزيمة «المحافظين» المدوّية في انتخابات الأسبوع المقبل، هي من صنع قيادات الحزب ذاته، نتجت بفعل تراكمات الحروب الداخلية التي انفجرت داخل الحزب، منذ مسلسل تعاقب تيريزا ماي، ومن بعدها بوريس جونسون، ثم ليز تراس، ومن بعدهما ريشي سوناك. ألا يجيز هذا كله التساؤل؛ متى تبادر معظم قيادات الأحزاب العربية، إلى تعلم كيف تحاسب نفسها على أخطائها، كي تكف عن تكرارها عبر السنين؟ بلى.
التعليقات