ثمة ما يشبه الإجماع لدى معظم المراقبين والمتابعين للانتخابات الرئاسية الأمريكية على أن أداء الرئيس الديمقراطي جو بايدن في المناظرة التي جمعته مع سلفه الجمهوري ترامب كان كارثياً بكل المقاييس، وأن الأخير تفوق عليه بغض النظر عن صحة ما قاله من عدمه، وهو ما أثار قلقاً لدى الحزب الديمقراطي وأنصاره قد يرقى إلى مستوى الأزمة.
لكن الأزمة، في الواقع، لا تتعلق بالديمقراطيين الأمريكيين وحدهم، وإنما تتعدى ذلك إلى المجتمع الأمريكي المنقسم أصلاً إلى حد التنقاض، كما ظهر في مناظرة بايدن وترامب، تجاه مجمل القضايا والسياسات الداخلية والخارجية. وهي أزمة عميقة تتصل برؤية كلا الحزبين، الديمقراطي الذي يعتبر نفسه ليس مدافعاً عن الديمقراطية فحسب، وإنما حارساً لها، والجمهوري اليميني المتطرف والشعبوي، والذي لا يعير اهتماماً كبيراً للديمقراطية، ويرى مجمل قضايا الاقتصاد والهجرة وغيرها، علاوة على السياسة الداخلية والخارجية من منظار مختلف، ويتعامل معها بقدر ما يعتقد أنها تخدم المصالح الأمريكية على قاعدة «أمريكا أولاً». غير أن الأزمة تبدو أكثر عمقاً لدى الديمقراطيين، كونها تنسحب على مستويين، الأول يتعلق باعتبارها أزمة «أمن قومي» من وجهة نظر الحزب، كما يعبر عن ذلك بعض المراقبين والمحللين، انطلاقاً من أن إدارة بايدن تشارك في حربين مدمرتين في أوكرانيا والشرق الأوسط، وأن الوقت قد حان لانسحاب بايدن من السباق على غرار ما فعله ليندون جونسون عام 1968. لكن هذا الانسحاب، الذي تؤيده أغلبية أمريكية، وفق استطلاعات الرأي، بمن فيهم قادة ديمقراطيون كبار ووسائل إعلام داعمة لهم، يدفع نحو المستوى الثاني للأزمة، والمتعلق بأزمة الديمقراطيين الداخلية. إذ يصعب إيجاد بديل ديمقراطي قادر على مواجهة ترامب وتحقيق الفوز خلال الأشهر القليلة المتبقية على الانتخابات، كما أن بايدن نفسه يرفض الانسحاب، معتبراً أنه قادر على النهوض مجدداً، رغم الأصوات المطالبة بتنحيته، وحتى في حال إصرار الديمقراطيين على استبداله، فإن الإجراءات المتعلقة باختيار بديل له طويلة، وتظل مرهونة بما يقرره المؤتمر العام للحزب في أغسطس/آب المقبل، وبالتالي فإن الفترة المتبقية لن تمنح أي بديل فرصة كافية للقيام بحملة انتخابية ناجحة تعيد الديمقراطيين للبيت الأبيض.
وفي كل الأحوال، هناك من يرى أن الولايات المتحدة نفسها قد شاخت بالفعل بعد أن تربعت طويلاً على عرش قيادة العالم، وأن وجود مرشحين للرئاسة متقدمين في العمر، مثل بايدن وترامب، يعكس هذا الواقع الأمريكي المرتبك، وما آل إليه موقعها المتراجع في الساحة الدولية. إذ لطالما كانت الولايات المتحدة والعالم الغربي يتحدثان عن «عجائز الكرملين» إبان عهد الاتحاد السوفييي، حتى أن صاحب البريسترويكا مخائيل غورباتشوف، اعتبر بمثابة «الطفل المعجزة» عندما انتخب لعضوية المكتب السياسي للحزب الشيوعي، آنذاك، وهو بعمر ال 48 عاماً، فهل تنبئنا «عجائز البيت الأبيض» بمصير مشابه لما آلت اليه «عجائز الكرملين» أم أن للأمريكيين رأياً آخر ؟.
التعليقات