في عصرنا الحالي الذي غزته وسائل التواصل الاجتماعي، التي تسهل الوصول والتواصل، إلا أنها ألقت بظلالها بطريقة عكسية بخلاف المآرب التي وجدت لأجلها، فجعلت البعض ينعزل بشكل كبير، ويعيش يومه مع شاشه تخلق له مزيجا من المشاعر والانفعالات الداخلية المكبوتة، وتعكس أنماطًا حياتية من وحي الخيال والفبركة، فأغلب اليوم نقضيه مع أشخاص لا نعرفهم «المشاهير» ونتأثر بما يقولون ويفعلون شئنا أم أبينا، ناسين أو متغافلين عن المعنى الحقيقي للحياة المتمثل في الروابط الاجتماعية الطيبة والأواصر الراسخة، فكم من اتصال استثقلته الروح، وكم من رسالة مؤجلة عُلّقت على جدران الانتظار المجهول، إذ أثبتت بعض الدراسات أن المجتمعات التي تحافظ على مستوى جيد من الصحة وجودة الحياة كانت تلك التي تتمتع بروابط اجتماعية قوية، وذلك أمر مفهوم باعتبار اختلاف نمط الحياة العصرية واتسامها بالسرعة وتباعد المسافات الجغرافية والقلبية تباعًا، في هذا الموطن، اختص سعادة الدكتور عبدالله بن صالح الحصان -رحمه الله وطيب ثراه- الذي ضرب أرقى مثال على الوصل الطيب، إذ شكل خبر وفاته فاجعة بالنسبة للإعلاميين، وكنت من بينهم، والسبب مآثره العطرة وتعامله الحسن مع الجميع، والأهم من ذلك حرصه على التواصل وتلمس احتياجات الغير.

عندما عاينت الوسم المخصص لنعي الدكتور عبدالله وجدت أن غالبية الأشخاص أرفقوا صورة من مدة المكالمات التي جمعتهم به -رحمه الله- ولقد وجدت تلك المكالمات في هاتفي على حد سواء، لم أكن أنا المبادرة ولو لمرة واحدة بل كان الدكتور عبدالله في كل مرة، وكان في كل مكالمة يسأل عن الأحوال بشكل جدي، وليس من مبدأ الروتين والمجاملة، فإن طالت المكالمة أو قصرت كان الهدف يكمن في التواصل فقط، لقد سألني الدكتور في أكثر من موضع «لماذا لم نعد نراكِ؟» متمنيًا بذلك أن أكسر عزلتي التي فرضتها على نفسي منذ مدة دون أدنى وعي مني، وفي كل مرة أرد عليه «إن شاء الله» إلى أن شاء الله وقدر مقاديره، حقًا، إنها رسالة مؤلمة ولكنها تحمل العِبرة والعَبرات معها، فمتى نتوقف عن القطيعة والابتعاد عن بعضنا البعض؟ فالحياة لحظات تمر أمام أعيننا بلا هوادة، وقد تكون خلاصتها في الأثر الطيب الذي يتركه الإنسان بحسن العشرة والأخلاق، جعلنا الله وإياكم من الطيبين ورحم الله الدكتور عبدالله وأسكنه في نعيم جناته.