(يخلق من الشبه أربعين).. هذا المثل السائر على طرف اللسان ليس له من الحقيقة إلا كثرة ترديده.

واليقين أن ليس لك شبيه، فأنت نسخة وحيدة ليس لها شبيه، وليس هناك تطابق حتى التوأم لا يشبهان بعضهما بعضاً، فالتطابق يعد حالة من حالات الاستحالة، وإن تطابق الشكل فهناك فوارق تميّز كل شبيه عن شبيهه، وأعظم فارق هو بصمة النفس، فالكل نفس بصمة متفردة، فكما لا تتطابق بصمة أناملك، فلن يكون لك شبيهاً يتطابق معك.

وعندما يقال: إن التاريخ يعيد نفسه، هي مقولة تتماثل مع الشبيه، وحقاً ليس كل زمن ينتقل للمستقل ليكرر أحداثه الماضوية، فما حدث يضمر في زمنه، وإن ظهرت أحداث تتقارب مع زمن سابق، فهذا لا يعد إعادة التاريخ، وإنما تراكم الأحداث اقتبست فكرة أو حالة مرت في الذاكرة المكتوبة (أو شفوية) عن حدث سابق، ولأن الناس يتشبثون بمقارنة ما مضى بما هو حادث تجدهم يلجأون إلى التشبيه، ولذا يقال التاريخ يعيد نفسه.

ويمكن الوصول إلى أن الذاكرة الساكنة الباحثة عن قياس سابق يتمثلونه هي التي تعيد زمناً ماضياً في زمن حاضر.

وهذا ما يحدث في ثبات مفردات بعينها على أن دلالتها تعني شيئاً بعينه، بينما تكون تلك المفردات لها معنى محدد تم ترسيخه في أذهان الناس، فمثلاً على هذه الجزئية أن كل مفردة في القرآن لها معنى بعينه لا تحيد عنه، ففي القرآن ليس هناك تكرار، فالمفردة تكتسب وجودها بمعناها الذي أراد الله لها أن تكون عليه.

إن التشبث بالتشابه هي معضلة الفكر الذي يسترجع الماضي في الحاضر، ولا يشق للمستقبل طريقاً له معطيات الحاضر.

فمياه النهر التي عبرتها مضت إلى مصبها، وهي لا تسير معك أينما اتجهت صعوداً.