من بين كل المواقف الدولية التي صدرت تنديدا بمحاولة اغتيال الرئيس السابق والمرشح الحالي للرئاسة دونالد ترامب كان موقف المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف لافتا جدا عندما عزا محاولة الاغتيال الى "العديد من المحاولات لإزاحة المرشح ترامب من الحياة السياسية: بداية باستخدام الأدوات القضائية، من محاكم، ومدعين عامين. ثم محاولات ضرب مصداقية ترامب السياسية وعرقلة ترشيحه. وكان واضحا لكل المراقبين من الخارج ان حياته كانت في خطر".

اللافت في الموقف الروسي انه صدر عملياً عن متحدث بإسم الرئيس فلاديمير بوتين الذي يوُسم حكمه بملاحقة الخصوم السياسيين والأمنيين الى حد السجن او الموت في "ظروف غامضة". الأبرز سياسياً هو المرشح الرئاسي السابق أليكسي نافالني الذي لوحق لسنوات طويلة بواسطة "الأدوات" القضائية الروسية، وتعرض لمحاولة اغتيال بالسم، وسجن لمدة طويلة حتى توفي في بظروف غامضة في السجن في 16 شباط (فبراير) الماضي. وحوادث الموت تسمماً التي تصيب المعارضين في روسيا لا تقتصر على نافالني بل أن اللائحة طويلة. أما الأبرز أمنياً فهو رئيس شركة "فاغنر" للمرتزقة يفغيني بريغوجين الذي قضى في حادثة تفجير غامضة تعرضت لها طائرته في23 آب (أغسطس)2013، وذلك بعد ثلاثة اشهر على عملية تمرد فاشلة قادها ضد سلطة الرئيس بوتين!

فيما يتعلق بمحاولة اغتيال الرئيس دونالد ترامب يصح فيه القول إن "الرصاصة التي لا تُردي تقوّي" حيث انه بعد ان نجا بأعجوبة من الموت، استطاع في اللحظات الأولى اثر اطلاق النار ان يرفع قبضته عالياً ويعلن التحدي، ويدعو مناصريه الى القتال. وقد عكس بهذا التصرف مظهراً من مظاهر القوة والعنفوان والعزيمة والصحة التي يفتقر اليها منافسه الرئيس جو بايدن. كما انه خرج شهيداً حيّاً، سيكون باستطاعته ان يبني على محاولة الاغتيال ليشد أزر قاعدته الجمهورية، فيرسخ التزام المناصرين، ويستقطب الى صفه شريحة المترددين في الحزب، وفي الوقت عينه يضعضع ما تبقى من شريحة المعارضين من الجمهوريين المؤسسيين تمهيداً لاستقطاب أغلبيتهم.

من ناحية أخرى، تحدث هذه المحاولة هزة كبيرة في صفوف الديموقراطيين بدءاً بحملة الرئيس جو بايدن التي تعاني أصلا من اضطراب كبير على خلفية إداء الرئيس، عمره المتقدم وصحته وتركيزه الفكري. وأتت المناظرة الأخيرة بين بايدن وترامب لتزيد من مصاعب حملة بايدن بعدما اثارت انقساماً حاداً داخل الحزب الديموقراطي وفي أوساط المانحين. ومحاولة اغتيال دونالد ترامب ستكون مناسبة للأخير كي يستثمرها الى اقصى حد أولا خلال نيله ترشيح الحزب الجمهوري يوم الخميس القادم في المؤتمر الوطني في ميلووكي وسط احتفالية ستطغى خلالها الحادثة على كل النقاشات، والمواقف، والأفكار. كما ان الحادثة من شأنها أن تساعد ترامب على طي صفحة الملاحقات القضائية، والحروب السياسية التي يخوضها خصومه لإضعاف حملته الانتخابية.

لكن في السياسة يمكن القول إن المسافة الزمنية التي تفصلنا عن موعد الانتخابات في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل طويلة نسبياً. وما ان يستعيد الديموقراطيون انفاسهم ستعود المواجهة اقوى مما كانت. والخطر الكبير الذي يلوح في الأفق هو ان تتخذ المعركة الانتخابية منحى عنيفاً لم يكن في الحسبان. كما ان المفاجآت تظل احتمالاً وارداً.

كل ذلك سيعتمد على أسلوب دونالد ترامب في التخاطب السياسي، كما ان سلوكه ولهجته ستكون محط الأنظار بدءا من الخطاب الذي سيوجهه كما قال الى الامة في اعقاب نيله ترشيح الحزب الجمهوري يوم الخميس المقبل. فهل سيكون خطاباً وسلوكاً جامعين؟ ام انه سيواصل الدق بقوة على مسمار التصعيد السياسي والخطابي واللفظي ضد الحزب الديموقراطي وجو بايدن او خليفته اذا ما تنحى. لكن اليوم وفي هذه اللحظة بالذات يمكننا القول انه في 13 تموز ( يوليو) أمسك دونالد ترامب بمفاتيح البيت الأبيض. يبقى أن يفتح البوابة!