هل طال بالقلم السكوت عن مشكلات الموسيقى العربيّة؟ ماذا لو طرحنا أسئلة غير مألوفة؟ مثلاً: هل يمكن تلخيص مشكلات الموسيقى في أنها إداريّة؟ منطلق الفرس أن نضع أوساط الموسيقى في قفص الاتهام، والقاضي لا يخشى في الفن لومة لائم: ما هي الأسباب التي أدّت إلى الهبوط؟ ما هي سبل تصحيح الأوضاع؟ سنستنتج أن الانحدار ناجم عن أوساط فنّيّة لم يعد فيها روّاد لكفاءتهم هيبة، ولا لإبداعهم مهابة. معاهد الموسيقى لم تعد عناصر الترويج للتهريج تحسب لها حساباً. وسائط الإعلام السمعية البصرية ألغت الرقابة على المصنّفات. أمست منتحلة الغناء، بحنجرة متحشرجة، ولكن بمظهر يسمّيه عادل إمام «لابسة من غير هدوم»، تجمع ثلاثة ملايين «لايك»، ولتذهب القيم الفنيّة إلى حيث ألقت.
أرأيت؟ كلها مشكلات إدارية، لكن الآفة المزمنة التي تعانيها موسيقانا منذ قرون، تتمثل في أنها لم تكن لها علاقة بالفكر والمفكرين. ليس مهمّاً على من تقع المسؤولية؟ المأساة حقيقة: المفكرون لم يكونوا حماة الموسيقى لأن أغلبيتهم المطلقة لم تكن لها دراية بالعلوم الموسيقية، وأساطين الموسيقى لم تكن لهم علاقة بالفكر والفلسفة وفلسفتي الفن والجمال. انقطاع الصلة أورثنا هذا التردي، فأربعة عقود من الفن الرفيع، بين 1920 و1960، لا تعدّ شيئاً في حياة الأمّة. اليوم للعرب أصوات مساحاتها رائعة، ولكن، أين الملحّنون؟ هؤلاء يضطرون إلى ترديد أعمال السنباطي وزكريا أحمد...
ارتباط الفن بالفكر يكسبه مناعة. صدق علماء البيولوجيا فلهم عبارة ظريفة: «الوظيفة تخلق العضو»، بالتالي، أفلت النجوم عندما فقدت دورها، أقفرت الساحة.
الآن، الكلمة للإدارة الفائقة. هل تتصور أوساط الفن أن الصينيين أدركتهم محنة الاستلاب، فطفقوا يعلّمون خمسين مليون طفل صيني آلة البيانو؟ انتظروا، فقبيل سنة 2050 سيجتاح العالم «تسونامي» من الموسيقى، سيكون على الأرجح موسيقى سيمفونية بنكهة التنين، مع سلسلة من الأجناس المختلفة، أوركستراليّة، غنائية، أوبرالية... إذا كان الأفارقة قد جعلوا البلوز والجاز يسيطران على القارة الجديدة، ثم العالم، فإن علينا انتظار عجائب الفن الأصفر.
الإدارة تستطيع ابتكار الحلول: دماء جديدة في المعاهد الموسيقية، تدريس الفلسفة وفلسفتي الفن والجمال في المدارس العليا للموسيقى. لماذا تقيّد المعاهد الموسيقية الدراسة بخمس سنوات، ولا تفتح الأبواب مثل الغرب، لمن أراد حتى اثنتي عشرة سنة؟ على الحكومات تعزيز المواهب المتميزة، بحوافز الدراسة الأكاديمية في كل التخصصات الموسيقية، وتأسيس مراكز العلوم الموسيقية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإراديّة: المشكلات الموسيقية ليست قدراً، فالإرادة القوية تحلّها بالإدارة الفائقة.
التعليقات