كتب الزميل ممدوح المهيني، قبل فترة، في «الشرق الأوسط»، عن هوس الكثيرين بنظرية المؤامرة، وكيف أن الإيمان بها له ما يبرره، وله سحره لكونه يريح النفس ويخلي الفرد من المسؤولية، ويلقيها على الآخرين، المتآمرين، فنحن لم نُهزم في حروبنا، بل تآمر أعداؤنا علينا، وما نحن إلا أكباش فداء، فكل عيوبنا أو عثراتنا نضعها على آخَرين، ومن ثم نتطهر نفسياً بعدها، ويرى أن دولنا تواجه ثلاثة أنواع من المؤامرة، أولاً: السياسية: ومضمونها أن الغرب وأمريكا بالذات، تنوي تمزيقنا واستغلال ثرواتنا وإخضاعنا لسلطتها! لكن الحقيقة أن شعوبنا لم تتعرض للتمزق والانهيار، ولم تُنهب ثرواتها بسبب الغرب، بل بسبب فساد الكثير من حكومات دولنا، الثورية وذات الأنظمة الدكتاتورية والاشتراكية والديموقراطية! ولم يتآمر الغرب أصلاً علينا، ويترك دولاً غنية وضعيفة عسكرياً مثل اليابان وسنغافورة والنرويج وماليزيا، ولا يتآمر عليها؟ ولماذا لا تلقى نظرية المؤامرة رواجاً إلا في دولنا؟

فأمريكا، للعلم، أرسلت للكويت أكثر من 400 ألف من جنودها، ودفعت المليارات لتحريرها، وخرجت بكل قواتها منها بعد انتهاء مهمتها. ولم تتردد الكويت بعدها، في عقد اتفاقيات أمنية مع خصوم أمريكا، ومنافسيها، مثل الصين ودول أوروبية، وبعد التحرير مباشرة.

الغريب، أو من الطبيعي ربما، أن الجماعات الدينية، من الإخوان، وبعض الشيعة، هم أكثر مَن يؤمنون بفكرة تآمر الغرب عليهم، ويروجون للحرب القادمة مع الغرب «الكافر». ولذا أصبحت المؤامرة السياسية وسيلة للهروب من معالجة الأسباب الحقيقية للفشل، وتحولت إلى شعار عاطفي تُرتكَب تحته أكبر المآسي، وثانياً المؤامرة الدينية، التي تعني الحرب على الإسلام والمسلمين، لكن الواقع أن الغرب اليوم هو الحاضن الأكبر للمسلمين، فإليه يلجؤون، وفيه يعملون وينجحون، ويتزايدون، فلِمَ يُسمَح لهم بالعيش هناك؟ علماً بأن من شوّه صورة الدين هم المسلمون، من أمثال الزرقاوي والبغدادي وابن لادن وغيرهم. فجميع حروب المنطقة، الجغرافية والسياسية أو المذهبية أو العرقية، وقعت بيننا يوم لم يكن هناك لا أمريكا ولا إسرائيل!

ثالثاً: المؤامرة الاجتماعية، حيث يزعم مناصرو هذه النظرية أن هناك خططاً لتغيير قيم المجتمعات، بهدف طمس هويتها وقيمها، ومنبع هذه الفكرة العزلة القديمة للشعوب، حيث يصبح الغريب هو الذي سيجلب معه الشرور والأمراض الثقافية. ولكن هذه فكرة انهار منطقها مع تلاشي الحدود، التي تخترقها الطائرات واتصالات الإنترنت، وبعد أن اكتشفنا أن لا أحد يتربَّص بنا ويصحو من النوم لتقويض مجتمعاتنا، بل بِتْنا نتوق جميعاً تقريباً لأن نكون جزءاً من بلاد الغرب، دراسة وهجرة وعملاً. ففكرة الهوية لم تعد جامدة، بل متطورة ومتغيرة باستمرار. الهوية الصحيحة هي المتجددة والمنفتحة على لغات وثقافات مختلفة، عكس الهوية الثابتة التي تعيش في الماضي، لكن الماضي لا يعود. كما أصبحت للأفراد هويات متعددة وجنسيات مختلفة من دون أي تناقض. والتآمر على المجتمع يحدث بعزله وتقييده، وليس العكس.

كما يرى البعض أن المرأة هي هدف المؤامرة الاجتماعية، التي تهدف إلى خلعها من قيمها. ولكن التجربة أثبتت أن هذا مجرّد وهم، ومزيد من الحقوق للمرأة مفيد، ليس لها فقط، بل للمجتمع الذي تتواجد فيه وتساعد في نهضته، وهي تشعر بكامل الاحترام لذاتها.


أحمد الصراف