رامي الخليفة العلي

نخطُّ هذه الكلمات في صبيحة السادس من أغسطس؛ حيث لا حديث للإعلام سوى عن الرد الإيراني وتوقيته وأهدافه والاستعدادات الإسرائيلية والأمريكية لاحتواء الرد الإيراني على الاغتيالات التي قامت بها إسرائيل خلال الأسبوع الماضي؛ وأبرزها اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ودراسة الخطط الدفاعية أو حتى الهجومية التي سوف تكون رداً على هذا الهجوم. وبعيداً عن الانشغال الإعلامي وأحياناً التهويل، فإن لدينا تجربتين سابقتين؛ حيث قامت إيران بالرد سواءً على الولايات المتحدة الأمريكية عندما قامت هذه الأخيرة باستهداف قاسم سليماني (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني) في مطار بغداد، أو الرد على إسرائيل بعد استهداف القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق ومقتل عدد من قادة الحرس الثوري هناك، وفي كلتا الحالتين فإن إيران سعت إلى الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية في الحالة الأولى ومع إسرائيل بطريقة غير مباشرة في الحالة الثانية على حدود الرد الإيراني بحيث لا يؤدي إلى الدخول في مواجهة مفتوحة ما بين طهران وواشنطن أو طهران وتل أبيب. وفي هذه المرة فإن الحال لا يختلف عن المرتين السابقتين حيث تباطأت إيران في الرد المتوقع، وأفسحت المجال للحراك الدبلوماسي من أجل هندسة الرد مرة أخرى بحيث يلتزم بقواعد اشتباك يتم الاتفاق عليها ولا يؤدي إلى المواجهة. في المرتين السابقتين كان الخطاب الإعلامي الإيراني عالي النبرة ولكن عملياً الردود الإيرانية لم تؤدِ إلى تغيير المعادلة الاستراتيجية أو حتى معادلة الردع التي يتم الحديث عنها مطولاً هذه الأيام. وعلى الرغم من أن طهران هي الراعي الأساسي للمليشيات الموجودة في المنطقة وعلى رأسها حزب الله وجماعة الحوثي في اليمن، فمن المتوقع أن ردها سوف يكون شكلياً ومتفقاً عليه، بينما يكون رد تلك الأذرع أكثر قوة، لأن من سوف يدفع الثمن في حال اشتعال الموقف بين حزب الله وإسرائيل أو بين جماعة الحوثي وإسرائيل هما الشعب اللبناني والشعب اليمني، وهذا لا يدخل في ميزان الحسابات التكتيكية والاستراتيجية الإيرانية ولا حتى حسابات تلك الجماعات. وبالتالي نحن أمام عدة احتمالات؛ الاحتمال الأول أن يكون رداً إيرانياً شكلياً بحيث يتم استيعابه من قبل الجانب الإسرائيلي، ومع ذلك يبقى من الوارد أن ينجح الرد أكثر مما ينبغي ويُحدث خسائر كبيرة في الجانب الإسرائيلي، وبالتالي يذهب الطرفان إيران من جهة وإسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة من جهة أخرى إلى مواجهة على الأقل طهران وواشنطن لا يرغبان بها، طبعاً هنالك احتمال كبير بأن تبقى الجبهة الإيرانية الإسرائيلية هادئة مع الرد الشكلي المتوقع، لكن تنفجر الجبهة ما بين إسرائيل وحزب الله، وبالتالي يدخل الطرفان في مواجهة مفتوحة شبيهة بتلك التي حدثت في عام 2006 باختلاف أنها ستكون أكثر تدميراً وفتكاً ببلاد الأرز. في النهاية إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الهندسة التي تتم حالياً للرد الإيراني وحتى رد الأذرع الميليشياوية حزب الله والحوثي فإن الاحتمال الأكبر أن لا تتغير المعادلة، ويبقى الوضع تحت السيطرة بحيث لا تتوسع الحرب الإسرائيلية على غزة إلى مواجهة إقليمية مفتوحة.