ماجد كيالي
طبعاً هذا عنوان غير جدّي، لأنه يأتي في إطار قضية تراجيدية لشعب يعيش مأساة، أو نكبة جديدة، مع ذلك فهو الأنسب للتعبير عن اليأس من الطبقة السياسية الفلسطينية السائدة، والمهيمنة، بفصائلها المتعددة، المتكلّسة والمتأكّلة، التي لم يعد لديها ما تضيفه لقضية فلسطين وكفاح شعبها منذ زمن طويل، إذ معظم تلك الفصائل لم يعد لها، منذ زمن، أية مكانة تمثيلية عند الفلسطينيين، في الداخل والخارج، ولا أي دور كفاحي في مواجهة سياسات إسرائيل، ولا هوية فكرية، أو سياسية، باستثناء أربعة أو خمسة فصائل من 14 فصيلاً، في مقدّمها "فتح" و"حماس"، اللتان تحوّلتا إلى سلطة، كلٌّ في إقليمه، لكن كل منهما تنازع الأخرى على مكانة القيادة والهيمنة في الساحة الفلسطينية، ما يضرّ بقضية فلسطين وشعبها وحركته الوطنية.
معلومٌ أن لدى الفلسطينيين نحو 20 كياناً سياسياً. فإضافة إلى الحركتين الأكبرين المقرّرتين والسلطتين، "فتح" و"حماس"، ثمة الجبهات "الشعبية" و"الديموقراطية" و"القيادة العامة" و"النضال الشعبي" و"التحرير الفلسطينية" و"التحرير العربية" (وبعضها منقسم إلى فصيلين بين الداخل والخارج). وثمة أحزاب "الشعب" و"فدا" و"الشيوعي الثوري"، و"طلائع حرب التحرير الشعبية - الصاعقة"، وحركة "الجهاد الإسلامي"، و"فتح - الانتفاضة"، وكتل انتخابية من خارج الفصائل، ككتلة "الطريق الثالث" (سلام فياض وحنان عشراوي) و"المبادرة الوطنية" (مصطفى البرغوثي). أما بين فلسطينيي 1948، فثمة "الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة" التي هي امتداد، أو إطار جبهوي، للحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح) و"الحركة الإسلامية" (قسمين الشمالية والجنوبية)، و"الحركة العربية للتغيير" (بزعامة أحمد الطيبي)، إضافة إلى "التجمع الوطني الديموقراطي"، وكل ذلك لشعب من 14 مليوناً، موزعين في أنحاء الدنيا، ويخضعون لسلطات متعددة ومختلفة.
في ظلّ هذا الواقع، لا أحد يعرف ما الذي ستضيفه الصين، وعاصمتها بكين، للحوار الوطني الفلسطيني، الذي استضافته للمرّة الثانية (الأولى في نيسان - إبريل الماضي)، ولا ما الذي سيجعل هذه الفصائل تتفق على شيء لا تستطيع الاتفاق عليه في رام الله أو نابلس أو غزة أو الخليل أو أي مكان آخر في فلسطين، مثلاً. ولا أحد من قيادات تلك الفصائل الـ 14 يخبر الشعب الفلسطيني ما الذي حدث كي تنجح، هذه المرّة، مخرجات اجتماع بكين؟ أو ما هي الديناميات التي ستترجم تلك المخرجات، في حين لم يتمّ ذلك في باقي الحوارات التي تمّت، منذ عام 2005، في مكة والدوحة وصنعاء والقاهرة وبيروت ورام الله واسطنبول وموسكو؟ أخيراً هل تستطيع الفصائل الـ 12 حمل حركتي "فتح" و"حماس" على تنفيذ ولو بند واحد من المخرجات المذكورة، والتي باتت تتكرّر في كل البيانات الختامية الصادرة عن جلسات الحوار الفلسطيني في كل مرّة، منذ 17 عاماً؟
ملاحظة أخرى، تتعلق بالمغزى من حشد كل تلك الفصائل، إذ لا أحد يشرح لماذا تتواطأ قيادات الفصائل الفلسطينية الفاعلة، على اختلافاتها، على تعويم فصائل لا وجود فعلياً لها، ولا أي دور، ولا أي تمثيل؟ ما الجدوى أو المغزى من ذلك سوى تعظيم حصة كل طرف من الفصيلين الرئيسيين إزاء الطرف الآخر، أو تخليد نظام المحاصصة الفصائلية (الكوتا) السيئ الذكر، والذي يصادر إرادة الشعب الفلسطيني وحقه في التعبير عن ذاته واختيار ممثليه، في وضع لم يعد فيه لا شرعية ثورية نضالية ولا شرعية ديموقراطية انتخابية، وفقط بغرض الحفاظ على الطبقة السياسية السائدة.
عموماً، إن مفاتيح إنهاء الاختلاف والانقسام تتطلّب توفّر التوافق على العديد من المسائل، لا الذهاب إلى هذه العاصمة أو تلك للحوار، لعلّ أهم تلك المسائل يكمن في: أولاً، الحسم في مسألة إعادة بناء "منظمة التحرير الفلسطينية" على أسس وطنية تشاركية وتمثيلية وديموقراطية، وبواسطة الانتخابات، لحسم الجدل حول أحجام الفصائل الفلسطينية، أي أن الأمر لا يقتصر على إنهاء الخلاف والانقسام في كيان السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع؛ ثانياً، التوافق على رؤية وطنية جمعية جديدة، واستراتيجية كفاحية واضحة وممكنة ومستدامة، بعد إخفاق الخيارات السياسية والكفاحية التي تمّ اعتمادها طوال المرحلة الماضية، سواء تعلقت بالمفاوضة أو بالمقاومة، بالشكل الذي تمّ انتهاجهما به على ضوء التجربة؛ ثالثاً، وضع حدّ لتمحور هذا الفصيل أو ذاك لصالح أجندات عربية أو إقليمية معينة، لأن التجاذبات الخارجية لها أجندة وتوظيفات أخرى، لا تصبّ حكماً في إطار المصلحة الفلسطينية، أو لا تضع في أولوياتها حال الفلسطينيين وظروفهم الخاصة، وهذه هي حال مداخلات إيران التي تستهدف ركوب القضية الفلسطينية مجدداً، بعدما استنزفت كثيراً من مواردها في الصراع السوري، لاستخدام ذلك كورقة لتخفيف الضغوط الموجّهة ضدّها.
الفكرة هنا هي أن أي اجتماع لإعادة بناء البيت الفلسطيني، وصدّ التحدّيات الإسرائيلية، والتوجّه نحو المصالحة، وإنهاء الانقسام بين الفلسطينيين، أو بين "فتح" و"حماس"، سيفشل كما فشلت الاجتماعات والاتفاقيات السابقة، طالما لم يتمّ التوافق على الأسس المذكورة. إذ البيان الصادر عن اجتماع بكين هو مجرد بيان إنشائي ككل البيانات التي سبقته، يقول كل شيء ولا يقول شيئاً محدّداً، وليس ثمة ما يليه سوى استمرار الاجتماعات، واستمرار الحوارات.
مشكلة الفلسطينيين أنهم لم يعودوا اليوم في أزمة تطال كياناتهم وخطاباتهم وشكل حركتهم الوطنية، فحسب، إنما باتوا في نكبة جديدة، قاسية ومريرة، وهي نكبة تهدّد بمخاطرها أوضاعهم ومكانتهم وصورتهم كشعب في المنطقة وفي العالم. ومن دون فهم هذا الواقع، ستبقى الفصائل تعيش على الحوار، بين عاصمة وأخرى، وربما يصل الدور إلى اليابان!
التعليقات