يوسف أبو لوز
تذكر بعض حكايات وأساطير الطير، أن البجع في اللحظات الأخيرة قبل موته يغني أغنية جميلة، وقد بحثت عن كلمات هذه الأغنية لأعرف إن كانت أغنية حزينة أم سعيدة، ولم أجد تلك الكلمات في منطق الطير لفريد الدين العطار، لكن، لماذا تغني البجعة قبل موتها بلحظات قليلة؟، ذلك أنها تعيش حياتها كلّها صامتة بحسب ما يأتي في الأدبيات الأسطورية اليونانية القديمة.
كتب ليوناردو دافنشي عن نبل هذا الطائر.. يقول دافنشي: «.. هذا الطائر يحمل حباً كبيراً لصغاره، فإذا وجدهم في العش جثثاً هامدة من لدغ أفعى، طعن نفسه بمنقاره جهة القلب، وراح بدمائه الغزيرة يمطرهم حتى يعودوا إلى الحياة..». ترجمة: أمارجي.
أخذتني هاتان الحكايتان إلى مشاهدة مقطع على (يوتيوب) من موسيقى باليه (موت البجعة) للموسيقي (تشايكوفسكي)، ولعلّ الموسيقى في هذه القطعة تترجم لك كلمات أغنية البجعة، فالموسيقى وحدها تكثيف تشكيلي أو وجداني لدموع الطائر، الذي لا أظنه كان يغني لأنه يودّع حياته، بل، يغني لأنه سيترك صغاره للأفعى.
ونحن في شعرنا العربي لا نكتب عن البجع.. كتب محمود درويش عن القبّرات في جبل الجليل «.. ولكنّ قطرة ماء بمنقار قبّرةٍ في الجليل تعادلُ كل البحار..»، وكتب أحمد عبد المعطي حجازي عن طائر القطا.. «.. خرجت أصطادُ القطا،.. ومذ خرجتُ من بلادي لم أعدْ..»، أما طائر العنقاء الذي يموت ويحترق في النار، ويخرج حياً من رماده، فقد استخدمه الشعراء في نصوصهم التي ترمز إلى عودة الحياة.
في حالة البجع، فإنه طائر واقعي تماماً، ومن أخلاقياته الفطرية لا يغادر الحيز المكاني الذي يعيش فيه، فهو طائر مائي، طائر البحيرة، والنبع والنهر..أترك قليلاً هذه الحيثيات المكانية والطبيعة للبجع، وأذهب إلى أخلاقياته.. وتحديداً، أذهب إلى قصة الدم الذي يسيل من صدر البجعة لتتلقفه صغارها بأفواهها الوردية، فيقضي الدم على سم الأفعى، لتعيش تلك الفراخ المسكينة، ولكن، قد تموت البجعة التي ثقبت صدرها بمنقارها الحادّ.. في الكثير من أماكن العالم، لا يمكن للأغلبية العظمى من البشر أن يكونوا طيور بجع.. وأنت تعرف ماذا أقصد، تحديداً حين يتوحش بعض بني الإنسان فيحرق الأخضر واليابس كما يقولون، وبعضهم، بالتأكيد، لا يمكن أن ينقر صدره من أجل أن يعيش الآخر، ثم، الأهم من كل ذلك، أن الإنسان لا يغني أغنية أخيرة قبل موته بدقائق، لأنه على العكس تماماً من تلك البجعة التي تمضي كل حياتها صامتة، فيما الإنسان يملأ العالم والحياة بالصراخ والصخب والكلام الكثير الممزوج عادة بالنفاق، والكذب، والخداع..
التعليقات