سميح صعب

إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن انسحابه من السباق الرئاسي، وتزكيته نائبته كامالا هاريس لتترأس لائحة الحزب الديموقراطي في الانتخابات التي ستجري في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لا تنهي حال الفوضى التي تعم الحزب منذ الجدل الذي تفجر عقب الأداء السيئ للرئيس بايدن أمام الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي نال ترشيح الحزب الجمهوري الخميس الماضي في مؤتمر ميلووكي بولاية ويسكونسن.

قبل أربعة أشهر من الانتخابات، هناك مشهدان سياسيان متناقضان إلى حد كبير في الولايات المتحدة. هناك حزب جمهوري موحد، يقف بكل ثقله خلف ترامب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس جاي دي فانس، عرف كيف يوظف محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس السابق في بنسلفانيا في 13 تموز (يوليو) الجاري، وحصل على دعم من المتبرعين الكبار وفي مقدمهم إيلون ماسك وميريام أدلسون ممن تعهدوا ضخ عشرات ملايين الدولارات في الحملة الجمهورية.

المشهد الآخر، هناك حزب ديموقراطي مفكك يختلف حول الشخص الملائم لإلحاق الهزيمة بترامب. كان بايدن يعتبر نفسه حتى ظهر الأحد أنه الوحيد القادر على هزيمة المرشح الجمهوري، كما هزمه أول مرة في عام 2020. ومع انسحابه من السباق في وقت متأخر من الحملة الانتخابية، وعلى أعتاب المؤتمر الوطني للديموقراطيين بعد أقل من شهر في شيكاغو، تكتنف الضبابية عملية اختيار المرشح الديموقراطي.

الديموقراطيون أمام تجربة تحاكي تجربة 1968، عندما كان روبرت كينيدي في طريقه للفوز بترشيح الحزب قبل اغتياله، فعمد ليندون جونسون إلى ترشيح نائبه هوبرت همفري، الذي خسر أمام المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون.

الآن، دفع بايدن بهاريس إلى مضمار السباق، بينما ديموقراطيون آخرون وبينهم الرئيس السابق باراك أوباما، يتحفظون في إعلان تأييدهم لها على عكس الرئيس السابق بيل كلينتون وزوجته اللذين أعلنا تأييدهما لنائبة الرئيس.

الخشية لدى أوباما أو حتى رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي هي أن يكون المزاج الأميركي غير مستعد بعد لتقبل وصول امرأة إلى سدة الرئاسة، وبذلك يتعين التأني قبل حسم خياراتهم. حدث ذلك في مواجهة هيلاري كلينتون مع ترامب في عام 2016.

كما أن الحزب الديموقراطي في حال ذهب إلى خيار غير هاريس، فهو يجازف بخسارة شريحة كبيرة من أصوات السود والملونين، فضلاً عن أن هناك مبلغ 241 مليون دولار من أموال المتبرعين كانت مرصودة لحملة بايدن - هاريس، ولا يحق لأي مرشح ديموقراطي جديد أن يتصرف بهذا المبلغ. ويهدد الجمهوريون برفع دعاوى قانونية في حال تم تحويل هذا المبلغ لأي مرشح آخر غير بايدن أو هاريس.

وبذلك تضحي طريق الديموقراطيين شائكة ومعقدة في رحلة البحث عن بديل لبايدن. وثمة قلق يساور المتحفظين على تأييد هاريس، ينبع من كون نسبة قبول الرأي العام الأميركي لها في الاستطلاعات أدنى دائماً من نسبة قبول بايدن.

كيف يخرج الديموقراطيون من الفوضى العارمة التي كان في الإمكان تجنبها لو لم يسارع بايدن إلى ترشيح نفسه في العام الماضي، وأتاح المجال أمام وجوه ديموقراطية شابة للتنافس ومن بينها هاريس وحاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم وحاكمة ميشيغن غريتشن ويتمر وغيرهم؟

هذا المأزق ينذر بكارثة انتخابية بالنسبة إلى الديموقراطيين، لا تهدد بخسارتهم البيت الأبيض وحده، إنما خسارة مجلسي النواب والشيوخ. مرّ وقت طويل على الحزب الديموقراطي حتى تعافى من فوضى مؤتمر شيكاغو في عام 1968. وها هو التاريخ يُعيد نفسه مع مؤتمر شيكاغو في عام 2024. وحتى لو تمكن الديموقراطيون في نهاية المطاف من الاتفاق على مرشح معين، فإن الوقت الضيق المتاح له لإقناع الناخبين بخياره، يزيد من التوتر ومن انعدام الفرص أمام الاحتفاظ بالبيت الأبيض.

من ظن أن المشكلة يمكن حلها بمجرد انسحاب بايدن من السباق، سيكتشف أنه كان واهماً.