فارس خشان

تتهم الجمهورية الإسلامية في إيران الغرب بالتعامل معها بـ"وقاحة"، من خلال دعوتها إلى الامتناع عن شنّ أي هجوم ضد إسرائيل قد يتسبب بزيادة التوترات، وبالتالي تحميلها مع حلفائها "مسؤولية الأعمال التي تُعرّض السلام والاستقرار للخطر"، كما ورد في البيان المشترك الذي أصدره قادة الترويكا الأوروبية، المؤلفة من فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

لكن... لماذا هذه الوقاحة الغربية في التعاطي مع إيران؟

من وجهة نظر طهران، إنها مضطرة لأن تنفّذ انتقاماً من إسرائيل، لأنّ الأخيرة بإقدامها على اغتيال رئيس "حماس" إسماعيل هنية في طهران، وهو في ضيافتها وتحت حمايتها، لم تلحق بإيران الإهانة السيادية والأمنية فحسب، بل خلخلت قواعد الردع أيضاً. وعليه، فإنّ ترك اغتيال هنية يمر كأنّ شيئاً لم يكن، من شأنه أن يسمح باستباحة إيران وإخضاعها للإرادة الإسرائيلية.

من وجهة النظر هذه، تبدو إيران محقة. فعلى الغرب، بدلاً من أن يلوم الجمهورية الإسلامية على "هجوم دفاعي" تخطط له، أن يلوم إسرائيل على عمل عدائي أقدمت عليه، ويحمّلها تبعات ذلك.

لكن المسألة ليست بهذا الوضوح مطلقاً. إسرائيل لم تتبنّ اغتيال هنية، فيما إيران قدمت روايات متناقضة لطريقة اغتياله في عقر دار الحرس الثوري الإيراني. بداية، تحدثت الأوساط الإيرانية عن صاروخ مصدره غواصة في البحر، ثم قدمت رواية عن صاروخ مصدره طائرة، قبل أن تتراجع، وهذه المرة بصورة رسمية، إلى مستوى نشر رواية مختلفة تماماً، تفيد بأنّ الاغتيال حصل بصاروخ قصير المدى، أي من مسافة قريبة جداً من مقر استضافة هنية، في ضوء نفي إسرائيل أن تكون واحدة من طائراتها قد نفذت أي عملية في أجواء إيران أو الأجواء القريبة منها، وفي ظل نشر معلومات عن أن الاغتيال تمّ بزرع عبوة ناسفة تحت سرير زعيم "حماس".

في التواصل الغربي مع إسرائيل لترتيب مرحلة ما بعد الهجوم الإيراني العقابي المهدّد به، رفض المسؤولون الإسرائيليون ذلك، واعتبروا أن اغتيال هنية قد تكون وراءه مجموعة تعمل لإسرائيل، فهذا منطقي، لكن قد لا تكون الأمور كذلك، وهذا منطقي أيضاً. كما أن طهران التي تحرك سبع جبهات ضد إسرائيل، أي إنها في وضعية المعتدي الدائم، لم تنتظر، ولو لثوان قليلة، قبل توجيه الاتهام إلى الدولة العبرية. وعليه، فإنّ القبول بهجوم انتقامي إيراني، وعدم الرد عليه نوعيّاً، وفق سيناريو 13 نيسان (أبريل) حين وافقت إسرائيل على ردّ رمزي على الهجوم الانتقامي عليها، بعد اغتيال قيادة "فيلق القدس" في القنصلية الإيرانية في دمشق، من شأنه أن يجعلها دائماً تحت رحمة إيران، لا بل يمكن أن يحوّلها إلى حارسة لأمنها، حتى لا يرتد أي حدث ضدها.

وعليه، أصرّت إسرائيل على أنّها لن تسكت عن أي هجوم يستهدفها، وهي مستعدة لـ"أن تغامر" بالذهاب إلى حرب شاملة، للحيلولة دون إعطاء إيران هذا الحق.

بالفعل، لم تقدم إيران أيّ أدلة، في تواصلها مع المجتمع الدولي، تثبت تورط إسرائيل القاطع في اغتيال هنية. وبالتالي، لا يحق الانتقام من دولة، باسم القانون الدولي، على قاعدة "الاحتمال".

أضعفت هذه الحجة الإسرائيلية المنطق الإيراني، ودفعت بطهران، في ظل نجاح إسرائيل في "خلق مشروعية" للحرب وبالتالي في تحريك اتفاقيات الدفاع المشترك مع حلفائها الغربيين لمصلحتها، إلى البحث عن مخارج معقولة، سواء على مستوى نوعية الهجوم، في حال قامت به، بحيث يكون من نوعية العملية الأمنية المنسوبة إلى إسرائيل، أي من خلال خلية جواسيس، أو من خلال الامتناع عنه، لمصلحة تحقيق هدف وقف النار في قطاع غزة.

تأسيساً على كل ذلك، يبني الغرب أدبياته في مخاطبة إيران بـ"وقاحة"!