حسين الراوي

يذكر الكاتب المصري الرائع محمود السعدني - رحمه الله - ‏بأنه رافق القارئ المشهور ذا الحنجرة الذهبية عبدالباسط عبدالصمد إلى المملكة المغربية، ‏حينما تلقى عبدالباسط، دعوة شخصية من ملك المغرب آنذاك.

‏وفي أحد أيام الجمعة، ذهبوا بالقارئ عبدالباسط إلى أحد المساجد الكبيرة ذات المساحة الشاسعة التي تتسع لآلاف كثيرة من المصلين في العاصمة المغربية الرباط، ولقد كان ملك المغرب حينها متواجداً في المسجد في مكان خاص به مثل القُبة، لأداء صلاة الجمعة.

‏وبعد أن عرف الناس وشاهدوا أن القارئ عبدالباسط موجود في المسجد، أصرّوا عليه بأن يُسمعهم شيئاً من القرآن الكريم، وبعد أن تم الاستئذان من الملك، سُمح لعبدالباسط أن يقرأ القرآن لمدة 5 دقائق فقط.

‏وبالفعل بدأ عبدالباسط يقرأ القرآن، وكان صوته العظيم يغمر بعذوبته جميع ‏مساحات المسجد الشاسعة، ‏ويرتفع بأسماع الحاضرين إعجاباً بلذّة إيمانية وحلاوة معنوية.

‏وبعد أن انقضت الدقائق الخمس الممنوحة للقارئ عبدالباسط، التزم، رحمه الله، بالوقت وتوقف عن قراءة القرآن... لكن المُصلِين طلبوا منه أن يعاود القراءة، وألحّوا عليه كثيراً.

فعاود عبدالباسط القراءة، لنحو نصف ساعة، وعاد المصلّون من جديد يطربون لصوته الساحر، وأخذت تتمايل رؤوسهم انسجاماً وتكيّفاً مع أحاسيس عبدالباسط المختلفة عند قراءته للآيات التي يمر بها، من حزن وفرح وبشرى ووعيد.

وبعد أن صلى الناس صلاة الجمعة، توجه الكثيرون منهم إلى القارئ عبدالباسط للسلام عليه، وكان عددهم بالآلاف!

كان أبي، رحمه الله تعالى، يحب كثيراً قراءة عبدالباسط للقرآن، وكانت لدى أبي علاوة على أشرطة المُسجل (الكاسيت) أشرطة فيديو للقارئ عبدالباسط قام بنفسه بتسجيلها من التلفزيون.

ولقد زار القارئ عبدالباسط الكويت في الستينيات والسبعينيات، وسجل للتلفزيون الكويتي العديد من التلاوات الرائعة.

ولعبدالصمد لقاء عبر التلفزيون الكويتي عام 1967 موجود على «اليوتيوب».

كما زارت الكويت مجموعة رائعة من المشايخ القُرّاء من زملاء عبدالباسط، منهم: الحصري والبنا والمنشاوي ومصطفى إسماعيل والبحيري والطبلاوي، وجميعهم سجل لصالح تلفزيون الكويت قراءات جميلة.

للكاتب محمود السعدني كتاب جميل، عنوانه «ألحان السماء» تطرق فيه لقراءة القرآن في مصر، ولعدد من قُرّاء القرآن الذين تناول سيرتهم بأسلوبه رائع.

‏في الحقيقة إن صوت القارئ عبدالباسط عبدالصمد من نوادر الأصوات، ومن روائع الخالق جل جلاله. وحينما تسمع عبدالباسط يقرأ بعض الآيات بقراءة مختلفة بإحساسه العظيم، رغماً عنك ومن دون أن تشعر تقول بحماس شديد بأعلى صوتك كما يقوله المستمعون الجالسون بالقرب من المشايخ القُرّاء: «اااااالله... يا سلاااااام... الله ينوّر».