د. محمد النغيمش

لطالما كنت أنزعج من مبالغات طاقم الطائرة في الإطالة بتعليماتهم نحو من يجلسون عند مخارج الطوارئ، باعتبارها "الأخطر على سلامة الركاب"، حتى تابعت فاجعة انفصال باب الطوارئ لطائرة "بوينغ ألاسكا 737" في كانون الثاني (يناير) 2024، وقرأت تقرير الزميلة المتألقة باولا عطيه في "النهار".

هذه الحادثة فجعت الركاب، وتناقلت وسائل الإعلام ما رواه شهود عيان ممن كان يصرخون ويحضنون بعضهم بعضاً بعد تطاير كل شيء في الطائرة، واندفاع تيارات باردة مصحوبة بضباب خيّم على المقصورة، وانخفض معها الضغط الجوي، بُعيد ذلك الثقب الكبير على ارتفاع 16 ألف قدم.

لم تفلح نداءات المضيف عبر مكبرات الصوت في حثّ الناس على ارتداء كمامات التنفس وربط الأحزمة في التخفيف من روعهم، الأمر الذي دفع الشركة، بعد الهبوط الاضطراري الكارثي، للاعتذار الشديد وفتح تحقيق لكشف ملابسات الحادث الذي تبين أنه يعود إلى عدم وجود أربعة براغٍ في بابها، كسبب أولي!

هذه الأزمة هوت بالقيمة السوقية لشركة "بوينغ" بنحو 27 مليار دولار. خطورة الحدث دفعت إدارة الطيران الفدرالية الأميركية إلى حظر 171 طائرة من هذا الطراز من التحليق، حتى تكتمل عملية فحصها جميعاً.

تودي حوادث السيارات سنوياً بحياة أكثر من مليون شخص، فيما يموت سنوياً ما لا يتجاوز 500 شخص من حوادث الطائرات. غير أن صدى كارثة الطائرة أكبر، وتتناقله النشرات الإخبارية العالمية. المفارقة أن حادثاً واحداً يمكن أن يدمّر سمعة صانع الطائرة والناقل الجوي، لكن حادث السيارة الواحدة ربما لا يعرف الناس الشركة التي صنعتها. ليس هناك أي منطق في ذلك، لكنها طبيعة الأزمات التي تضع متخذ القرار تحت وطأة الحدث ومتطلبات سرعة التعامل المهني، من دون الانجرار وراء الأكاذيب.

لذلك، كان من أبجديات إدارة الأزمات "شجاعة الشفافية" القصوى، وهذا ما دفع "بوينغ" إلى التصريح بأن هناك بالفعل 10 طائرات أخرى خلت من براغٍ مهمة. والأهم في التعامل مع الأزمة تحمل "المسؤولية" ثم "الاستجابة" السريعة والفعالة لتقليل تداعيات الموقف.

بين حين وآخر، نقرأ عن إخلاء متعمد لمصرف عملاق أو ناطحة سحاب كي يعتاد الجميع على خطة الطوارئ. وتكثف المؤسسات الكبرى برامج التدريب الدوري التي لا يدرك أهميتها سوى من يعملون على خط النار، ويشاهدون هول الأزمات على تلك المنظمات التي لا تكترث للتدريب وتحليل المخاطر المستمر لحماية مرافقها وممتلكاتها وكوادرها.. قبل سمعتها.

لذلك، فإن المؤسسات التي تكابر، وتنفي، وتقلل من حجم الضرر الحقيقي، سرعان ما تفضحها عدسات الهواتف التي تقف لها بالمرصاد. وصار للناس حس عال في تسريب فيديوهات وصور وكلام المحور حتى لا يطالهم سلطان القانون.

أياً كان مكان الأزمة، فسوف تلقى بظلالها على مكامن الخلل والتسيب.. غالباً بعد فوات الأوان.