أسعد عبود

لم يخفِ قادة حلف شمال الأطلسي، خلال مشاركتهم في قمة واشنطن على مدى ثلاثة أيام، قلقهم من مستقبل الحلف الذي احتفل للتو بالذكرى الـ 75 لتأسيسه، في حال لم يتمكن جو بايدن من الفوز بولاية رئاسية ثانية، أو في حال تعمقت حال الانقسام داخل الحزب الديموقراطي، بسبب الشكوك التي تساور عدداً متزايداً من مسؤولي الحزب وقائمة المتبرّعين للحملة الانتخابية لبايدن.

صحيح أن أحداً من القادة الذين شاركوا في القمة لم يتطرّق علناً وبطريقة مباشرة إلى هذه المسألة، لكن يمكن رصد القلق من طريق الإصرار على إيضاح مصير المساعدات لأوكرانيا منذ الآن، وكأن الجميع يعلم أن بقاء بايدن في البيت الأبيض ليس مضموناً، وأن تصاعد الأصوات الديموقراطية المطالبة بانسحابه من السباق الرئاسي عقب أدائه الكارثي في المناظرة التلفزيونية الأولى في 27 حزيران (يونيو) الماضي، قد تعزز فرص الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح المفترض للحزب الجمهوري، بالعودة إلى البيت الأبيض.

وسيبقى بايدن تحت أنظار حلفاء الولايات المتحدة من الآن وحتى انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر). سيراقبون كل حركة وكل نأمة وكل تعثر أو تلعثم يصدر عنه، كي يعرفوا في أي اتجاه يسيرون. وتسيطر الهواجس على القادة الأوروبيين ما عدا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي يؤيّد ترامب علناً ويتمنى فوزه بولاية ثانية.

وبايدن نفسه عزز شكوك الحلفاء عندما ذكَّر بالدور الذي لعبه في اعادة إحياء الحلف رداً على الهجوم الروسي على أوكرانيا، وكأنه بذلك ينشد دعم الحلفاء، بينما تشتد عليه الضغوط داخل حزبه وتتراجع نسب التأييد له في استطلاعات الرأي أمام ترامب، وتحديداً في الولايات المتأرجحة التي تحسم السباق الرئاسي عادة.

أوحى بايدن في كل أحاديثه أن ثمة خوفاً على الديموقراطية وخوفاً على مستقبل الناتو، في حال لم يفز بالرئاسة. وبذلك، يريد بايدن الإيحاء بأن مصير العالم كله متوقف على فوزه بولاية ثانية.

ويتذكّر الحلفاء بمرارة تجربتهم مع ترامب. لكنهم في الوقت نفسه يميلون أكثر إلى الأخذ في الاعتبار أن الجدل المثار حول صحة الرئيس، ذهنياً وجسدياً، قد يعيد الرئيس السابق إلى البيت الأبيض، وتالياً لا يريدون الذهاب بعيداً في التعبير عن هواجسهم، لأنهم يعلمون أن عليهم التأقلم مع عالم ترامب في السنوات الأربع المقبلة.

ويأخذ القادة في اعتباراتهم، أنه يتعيّن عليهم الاستعداد لمرحلة ترامب واحتمال لجوئه إلى إيقاف المساعدات عن أوكرانيا أو خفضها أو الطلب من الحلفاء رفع موازناتهم العسكرية إلى أكثر من اثنين في المئة من إجمالي الناتج المحلي لدولهم، كون الأزمة الأوكرانية تتعلق بأوروبا وأمن القارة، أكثر مما هي شأن أميركي.

ونقلت مجلة "بوليتيكو" الأميركية عن ديبلوماسي أوروبي مقيم في واشطن قوله عن بايدن :"إنه لا يبدو على ما يرام".

والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبّر عن المخاوف بطريقة غير مباشرة، عندما طالب في القمة داعمي بلاده بالتحرك الآن لمساعدة أوكرانيا وعدم الانتظار إلى تشرين الثاني (نوفمبر).

والرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب، الذي انتمت بلاده حديثاً إلى الناتو، أبدى عدم ارتياحه للمستوى "المسموم" للاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة، لكنه بقي متفائلاً بأن واشنطن ستكون دائماً في حاجة إلى الحلفاء الأوروبيين، حتى ولو فاز ترامب في تشرين الثاني (نوفمبر).

وكل الخشية الأوروبية تتركّز الآن على الخوف من أن يفقد الناتو الزخم الذي اكتسبه في سنوات بايدن، في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتغليب المزاج الانعزالي على السياسة الخارجية. وكل استطلاعات الرأي تُظهر أن التعاطف الذي أظهره الأميركيون في بداية الحرب قبل أكثر من عامين، آخذ في النقصان لدى الديموقراطيين والجمهوريين على حدّ سواء، وهناك تفضيل للحل الديبلوماسي.