ميسون الدخيل

البحث عن إجابات في المكان الخطأ، أمرٌ كررناه مرات أكثر مما نرغب الاعتراف به! إن الأمر يتعلق بفقدان رؤية الصورة الكبرى؛ أي ما هو مهم حقًا والتركيز على الأشياء العادية أو ربما التافهة بدلًا من ذلك. على سبيل المثال، تجرى الكثير من الأبحاث التعليمية في المدارس والفصول الدراسية لأنها أسهل، بينما قد توجد الحقيقة في مكان آخر (حيث يعيش التلاميذ - بيئاتهم، منازلهم)، ولكن بما أن المدارس توفر البيانات الضخمة، يستخدم الكثير من الباحثين ما هو سهل الدراسة، وعليه فإن البيانات التي يجدونها ليست بالضرورة ما يحدث أو لنقل يمثل الصورة كاملة. لنتأمل هنا مثالًا عن تأثير البيئات الحقيقية التي يحدث فيها جزء كبير من عملية التعلم (وخاصة تلك المرتبطة بالعمل والوظائف المهنية). من الأمثلة على ذلك التفاعلات البشرية واستجابات الطلاب للتعلم في الوقت الفعلي، أي على أرض الواقع. لتوضيح هذه النقطة لنأخذ على سبيل المثال بحث «ساندرا ميليجان»؛ من جامعة «ميلبورن» بأستراليا، التي جمعت عددًا كبيرًا من شباب كانوا في الصف الحادي عشر والثاني عشر وخريجي المدارس الثانوية، وسألتهم: «إلى أي مدى كانت سنوات الدراسة الاثنتي عشرة مناسبة لما تقومون به الآن أو تتوقعون القيام به؟»، وأظهرت النتائج أنهم «أجمعوا تقريبًا على أن دراستهم كانت ضيقة للغاية بالنسبة لما يفعلونه الآن، وما يتوقعون القيام به مستقبلا؛ وأن دراستهم كانت تهيمن عليها المواد الأكاديمية والتركيز الضيق على المواد»، وعندما سُئلوا عما يقدرونه حقًا، وصفوا العمل بدوام جزئي والأنشطة المجتمعية وغيرها من التجارب التكميلية خارج المدرسة، كما أضافوا أن هذه التجارب «خارج المدرسة» هي التي أعطتهم المعرفة والمواقف والقيم والمهارات والثقة - وهي أشياء شعروا أنهم لم يحصلوا عليها في المدرسة، والتي كانت ذات قيمة حقيقية لإعدادهم للتحديات المستقبلية. الشاهد هنا أنها لم تعتمد على الأسهل والموجود ألا وهو البيانات والإحصاءات التي جمعت عن استعدادات الطلبة ودرجاتهم بل على الخبرات الحية للطلبة أنفسهم، من أجل التعرف على المسارات التي تصلح لهم واحتياجاتهم لهذه المسارات. هناك قصة كلاسيكية اعتدت مشاركتها كاستعارة للمعرفة والجهل: «رأى شخص ما جحا يبحث عن شيء على الأرض. فسأله: «ماذا فقدت يا جحا؟». قال جحا: «مفتاحي». لذا، ركعا كلاهما على ركبتيهما وبحثا عنه. وبعد فترة سأل الرجل: «أين أسقطته بالضبط؟» فأجاب: «في منزلي». فأجاب: «إذن لماذا تبحث هنا؟» فأجاب: «يوجد هنا ضوء أكثر من الضوء الموجود داخل منزلي». أعيدت صياغتها فيما بعد عندما وصلت للغرب بقصة الشرطي والسكير، ومنها صيغ مصطلح «تأثير ضوء الشارع»، الذي يصف الحالة التي يبحث فيها الناس عن إجابات بأسهل الطرق، رغم أن السهولة لا تعني دائمًا نتائج دقيقة بل وقد تكون بعيدة كل البعد عن الحقيقة، ما قد يقودنا إلى اتخاذ قرارات غير صحيحة أو غير عقلانية، ما يؤثر فينا جميعًا بجميع المجالات في حياتنا، اجتماعية كانت أم مهنية. واليوم، كثيرًا ما يُستشهد بـ«تأثير ضوء الشارع» في الدوائر العلمية، عندما يُحذَّر الباحثون من متابعة تحقيقاتهم في مجالات الدراسة الواضحة والمرئية فقط، بل والتطلع إلى أماكن خفية وغير مستكشفة بحثًا عن الحقيقة. يمكن تشبيه تأثير ضوء الشارع بكيفية اعتماد الكثيرين ممن يتصفح الويب على محرك بحث واحد فقط وعادة ما يتوقفون عند الصفحة الأولى للحصول على النتائج لأنها الطريقة الأسهل على ما يبدو للحصول على إجابة، والحقيقة هي أننا في كثير من الأحيان نجد أنفسنا نبتعد عن الواقع، أو نبتعد عما هو مهم، أو نبحث بشكل أعمى عن إجابات في المكان الخطأ. ولكن لماذا يصعب علينا الابتعاد عن هذه السلوكيات التي تبدو وكأنها تمتلك جاذبية إدمانية تقريبًا؟ في بعض الأحيان، يبدو الجهل وكأنه نعمة، فمن الأسهل تجاهل المشكلة الأكبر، وبدلًا من ذلك التركيز على تشتيت الانتباه أو تفاهات أو الحل الأسهل في متناول اليد، وفي عالم مجهز لتوفير المزيد والمزيد من وسائل الراحة الحديثة للبشر، فإن أدمغتنا مصممة للبحث عن حلول سريعة وسهلة يمكنها تحقيق نتائج فورية؛ لنواجه الأمر، إن التفكير عمل شاق! لتخفيف تأثير ضوء الشارع، فإن الخطوة الأولى لا تتمثل فقط في البحث عن الحقيقة في مجالات الدراسة الواضحة أو المرئية، بل أيضًا في البحث عن أسباب خفية وجديدة للحقيقة، ويتطلب هذا الصبر، حيث قد تكون هناك بعض العقبات أثناء تعثرك في الظلام لكن ستجد لحظة اكتشافك الخاصة والإضاءة التي لا تعمل بأضواء الشوارع. اليوم نرى الكثير من الناس لديهم ميل للبحث عن الحلول بالطريقة الأكثر ملاءمة بدلًا من العثور على الإجابات حيث تكمن! ومع ذلك فإن الوعي بهذه الظاهرة وكيفية ظهورها في حياتنا اليومية هو إحدى الخطوات الأولى في إدارة آثارها. يمكن للعديد منا قضاء الوقت في البحث عن إجابات حيث يكون الضوء أفضل بدلًا من حيث من المرجح أن تكمن الحقيقة، لذا يجب أن نحترس من التحيزات الرصدية، وألّا نبحث عن إجابات في الأماكن التي تتماشى مع مرئياتنا؛ بل نبحث عن الإجابات حيث من المرجح أن نجدها، بعبارة أخرى، إذا كنا جادين في إيجاد الحل الحقيقي لأي مشكلة، فيتعين علينا أن نكون مستعدين للبحث عنها أينما قد تكون مختبئة. وأخيرا سؤال للتفكير والتأمل: هل أنت متأكد من أن الذي تبحث عنه، أنك تبحث عنه في المكان الصحيح؟