حمد الحمد

بعض القرارات الحالية، يذكّرنا بحكاية سائح كويتي كان في رحلته الصيفية في بلد أوروبي، وفي لحظة ما دَهمه ألم شديد في أسنانه، فما كان منه إلّا أن ذهب إلى عيادة طبيب أجرى له الكشف، وقال: «الخراب عندك كبير جداً ويحتاج إجراءً عاجلاً بخلع كم ضرس واستبدالها»!. صاحبنا وافق وتم العمل بمخدر في جلسة واحدة وتكلفة مالية عالية، خرج صاحبنا مُطمئن البال بعد أن زال الألم، وهو يتذكّر المثل الكويتي «هم العرس ولا ألم الضرس».

لكن صاحبنا ما إن عاد إلى الفندق، إلا وأُصيب بجنون من شدة الألم مع صراخ يشق المكان وتوجّه لأقرب مستشفى بالحال، وعندما أجرى له الطبيب الكشف قال له: «الذي عمل لك هذا ليس طبيباً، لأن ما حدث لك يحتاج أشهراً لتتم المُعالجة وعلى مراحل وليس في يوم واحد».

الحكومة الحالية نعرف أن نيتها طيّبة وتُحارب الفساد، لكن المُستغرب أنها تريد علاج مشاكل ومُخالفات مضى عليها 20 أو 30 سنة، تريد حلها في يوم أو شهر واحد وبقرار واحد، وهذا أمر لا يستقيم معه العقل ولا المنطق، إنما أيّ مُخالفات يفترض أن تُدرس بعناية ويكون الحل على مراحل، فالحل المُتسرع لإخلاء المخالفات في العقارات خلق لنا في البلد أزمة تخزين، وإخلاء سكان في ليلة واحدة ومن دون إنذارات لا معنى له، وترويج البعض بأن الحكومة ستحل مشاكل تزوير وازدواج الجنسية بفترة قصيرة هذا وهْم.

وقرار آخر اتخذ بوقف جوازات «البدون» فئة 17 بيوم واحد، ولكن في اليوم التالي اتضح أن القرار بكامله يصعب تنفيذه، حيث هناك طلبة «بدون» يدرسون بالخارج، وآخرون في طريقهم للخارج للدراسة، والبعض في رحلة علاج، وسيدات كويتيات أولادهن من حملة تلك الجوازات وهم في طريقهم للسياحة، وشباب من هذه الفئة يمثلون الكويت في المنتخبات الكويتية، وهنا بدا التراجع يوماً بعد يوم وباستثناء يتلوه استثناء.

لهذا، القرارات المُتسرعة في «طرس»، نتائجها دائماً مثل ألم «ضرس»، له أعراض ولا يمكن علاجه في يوم واحد، وكلمة «طرس» تعني الورق أو الصحيفة وهي كلمة عربية فصيحة اندثرت من لهجتنا وهي من كلمة قرطاس، حيث يقول الشاعر زيد الحرب، رحمه الله:

أو شاعرٍ بيطار في نظم الأشعار قصايده بالطرس كلٍ سطرها

نعم، كل كويتي مع الحكومة في الإصلاح ونشد على يدها، لكن أي قرارات يُفترض أن تأخذ وقتها بالمراجعة، التي تقود دائماً إلى الطريق الصواب، وتتجنّب إرباك الوضع الداخلي سواء كان اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً أو حتى معيشياً، لهذا أيّ قرارات مستقبلية في «طرس» يفترض أن تأخذ طريقها لمراجعة المستشارين والقانونيين ولا يؤخذ فيها جانب دون الآخر.

لهذا، علينا تجنّب أسلوب ذلك الطبيب الأوروبي الذي ذكرنا حكايته.

والله من وراء القصد.