عندما تقرأ في نجاحات أي عالم من العلماء، راجع سيرته الذاتية جيداً؛ لأنك ستجد صعوبات وتحديات بالغة اعترضته، وهكذا في كل نجاح مدوٍّ وملهم، لا يمكن أن يتحقق إلا بضريبة بالغة من الألم والهم والأرق، ولعل هذه المشاعر هي التي كانت تكتنف عالم الميكروبيولوجيا والكيمياء الفرنسي لويس باستور - ولد عام1822م – وقد عرف بأعماله الرائدة في مجالات الأحياء الدقيقة والمناعة وتطوير اللقاحات. ولذلك يعدّ أحد أعظم العلماء في التاريخ؛ بسبب إسهاماته التي أحدثت ثورة في الطب والصحة العامة. يقف هذا العالم خلف عدة كشوف علمية غيرت مجرى تاريخ الإنسان، وأول اكتشافاته الكبرى، كان في مجال التخمر، فقد أثبت أن الكائنات الحية الدقيقة هي المسؤولة عن عملية التخمر، وليس التفاعلات الكيميائية العشوائية، كما كان يعتقد سابقاً. هذا الاكتشاف أدى إلى تطوير عملية البسترة، والتي تعرف بتسخين السوائل لقتل البكتيريا الضارة، وهي التي لا تزال تستخدم حتى اليوم في صناعة الأغذية. وهو أيضاً صاحب نظرية الجراثيم، حيث تعدّ أهم إسهاماته، فقد أثبت أن الجراثيم هي السبب في العديد من الأمراض. وفي ذلك العصر، قوبلت هذه النظرية بالشك، ولكن تجاربه الرائدة، أقنعت المجتمع العلمي بصحتها، مما أدى إلى تبني ممارسات التعقيم في الطب. وهو أيضاً مَنْ تمكّن من تطوير أول لقاح لداء الكلب، في عام 1885، كما طوّر لقاحات أخرى لأمراض مثل الجمرة الخبيثة والدفتيريا. لكن يقف خلف هذا التوهج العلمي، ألم وصعوبات وعقبات بالغة، فقد واجه معارضة علمية في بداية مسيرته، ومقاومة شديدة من الأوساط العلمية، التي شككت في أفكاره خاصة تلك المتعلقة بالجراثيم، وهناك الصعوبات التقنية، التي ظهرت عند عمله على الكائنات الدقيقة، فلم تتوفر له الأدوات والتقنيات الحديثة، وقد اعتمد على أساليب بدائية في العزل والتعرف إلى الميكروبات. وفي عام 1868م عانى من سكتة دماغية تركته مشلولاً جزئياً لبقية حياته، ومع هذا واصل عمله بكل حماس. كما أنه اصطدم بالعجز المالي والتحديات المالية، للحصول على التمويل اللازم لأبحاثه.لقد توفي في عام 1895م لكنه لم يرحل إلا وقد ترك إرثاً علمياً بالغ الأهمية ساهم مساهمة جبارة وكبيرة في صحة الإنسان، كما أنه أسّس معهد باستور في باريس عام 1887، وبات مركزاً عالمياً للبحث في الأحياء الدقيقة والأمراض المعدية. رحل هذا العالِم، وقد وضع أهم الأسس في مجال علم المناعة، التي أنقذت حياة الملايين من الناس...
www.shaimaalmarzooqi.com
التعليقات