يترقب البريطانيون في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، موسم تكاثر العناكب، الكائن الذي يعتبره البعض «مجمع الرذائل»، مقارنة بالنحلة «مجمع الفضائل». تبدو حشرة العنكبوت وديعة غير أن لديها استعداداً للتخلي عن قيمها بافتراس زميلاتها والمقربين منها! تحب العناكب الزوايا المظلمة لتنسج خيوطها الحريرية التي تبين أنها أقوى بخمسة أضعاف من الفولاذ، سيد المعادن الصلبة.

وتَخرُج العناكب في أوقات غير متوقعة، مثلما يخرج اللئيم في مواقف محرجة لمن كان له فضل عليه. وقد شاهد العلماء العناكب وهي تقتات على حشرات مدّت لها يد العون. وتسعد العناكب في انتشار الفوضى، وهو ما يدفعها لبعثرة شبكاتها عشوائياً ليصفو لها الجو. عندما يمس شباكها أحد تتصدى له لتحمي مرتع الفساد.

شرَّع البعض أبوابه للعناكب لأن منها ما يبدو «وديعاً» لكنه يضمر «نية الانتقام». فهي في الواقع لا تفكر سوى بنفسها. ولذلك لا يَمُد «العنكب» يد التعاون كما يجري في مملكة النحل التي تفني عمرها في خدمة العاملين معها وسائر البشرية.

خطورة العنكبوت أنها تشبه سلوكيات بعض البشر الذين ينطبق عليهم قول «الطيور على أشكالها تقع». فما إن تملك سلطة التوظيف حتى تعين من هم على شاكلتها. فهي مثلهم شديدة التكاثر. إلا أن معشر العناكب يلتهم بعضها بعضاً في نهاية المطاف.

بعض العناكب في العمل مفيدة، لأن جرأتها وعدوانيتها المحدودة قد توقفان المتمردين عند حدهم، حيث لا ترقى لمستوى عدوانية «شقيقاتها العقارب». ولذلك يتعمد بعض المسؤولين تجاهل تعليق شخص جارح ضد ثرثار في اجتماع ليحتفظ المدير بهالة وقاره. في الحياة نحتاج إلى شيء من العناكب لتولي مهام لا نحبذ فعلها مثل التوبيخ، والتقريع، والتقبيح، والتعنيف، واللوم، والإسكات.

الحكمة القيادية تتطلب أحياناً «حرق بطاقات» العناكب في العمل بتركهم يمارسون سلوكيات رادعة، لكن ما إن يتجاوزون الخط الأحمر من مخالفات حتى يتم قمعهم فوراً.

وجود العناكب الدنيئة سُنة كونية، ليبرز السلوك الحميد ويقدر. البعض لا يدرك روعة مكارم الأخلاق حتى يرى نقائضها. لكن العناكب قد تكون موهوبة وذات قيمة مضافة في العمل، غير أنه من المهم أن تراقب مراقبة لصيقة حتى لا تنفث سمومها في محيطنا. فكم من «عنكبوت» كانت وراء هروب خيرة عناصرنا.

ولأن هناك خيراً في باطن كل «شر»، فقد وجد العلماء في خيوط العناكب متانة مكّنتهم من صناعة مواد متينة في الطائرات، وبزات رواد الفضاء، وتشييد الجسور وغيرها. مشكلتنا ليست في مَن يخالفنا أو يعادينا بل بعدم مقدرتنا على التعايش مع الآخر مهما كانت عدوانيته.