خالد بن حمد المالك

حبست دول المنطقة وبعض دول العالم أنفاسها بتهديد أمين حزب الله حسن نصر الله بالانتقام من إسرائيل لقتلها رجل الحزب القوي فؤاد شكر، وانتظر الجميع بين مصدِّق ومكذِّب أن يقوم الحزب بعملية تصعيد كبيرة من شأنها خلط الأوراق، وإعطاء إسرائيل ذريعة لاجتياح لبنان بطائراتها وصواريخها ومسيراتها، وإن تطلب الأمر اقتحاماً برياً كما فعلت في قطاع غزة.

* *

طال الانتظار على وعيد وتهديد حزب الله، وتسخين الأجواء لمعركة انتقام دون ظهور ما يؤكد أنها قادمة بالفعل، مع استنفار إسرائيلي، وتنسيق مع أمريكا تحسباً لمواجهة قد لا تحدث، وبالفعل بدلاً من أن تقوم ميليشيا الحزب بعمل انتقامي لمقتل فؤاد شكر، قامت إسرائيل بعمليات عسكرية لمنع أي تفكير لدى الحزب في مهاجمتها، وكان رد حزب الله بأكثر من 300 صاروخ على الضربات الإسرائيلية، وكأنه بمثابة الانتقام الذي كان الحزب يتوعَّد به، دون أن يترك أي أثر على إسرائيل.

* *

المعتدي إسرائيل، والمعتدى عليه حزب الله، ولا علاقة لما جرى فجر الأحد الماضي بعملية الانتقام، كما أن إعلان الطرفين إسرائيل وحزب الله عن اقتصار معركتهما بانتهاء يوم الأحد، وكأنه اتفاق بينهما على أن يكتفيا بما حدث، وبالتالي حفظ ماء الوجه لأمين حزب الله حسن نصر الله أمام عجزه عن الانتقام لمقتل قائد الحزب الشهير والمهم واستسلام بطريقة مذلة من الحزب وأمينه.

* *

في خطاب حسن نصر الله بعد ساعات من توقف القتال ظهر مرتبكاً، وعاجزاً عن تبرير ما حدث، وسبق الخطاب بيانات تُكذِّب الروايات الإسرائيلية دون دليل أو توثيق، كما ظهر الأمين العام للحزب متصالحاً مع ما حدث، فلم يرغب في التصعيد، واكتفى بأنه لن يقاوم، ولن يواصل القتال طالما أن إسرائيل قد توقفت عن الاستمرار في ضرب مواقع حزب الله.

* *

إسرائيل تؤكد على أنه لم يتضرر لها أي قاعدة عسكرية في الشمال أو الوسط، كما يدّعي بذلك حزب الله، الذي لم يقدِّم صوراً أو مقاطع للأضرار التي ألحقها بهذه القواعد، بخلاف إسرائيل التي وثَّقت بالصور إنجازاتها في تحقيق أهدافها.

* *

وكالعادة، فإن إيران لم تورِّط نفسها في معركة كهذه، وهي التي عجزت حتى الآن عن تنفيذ تهديدها لإسرائيل وأنها سوف تنتقم لمقتل إسماعيل هنية على أراضيها، وقبله عدد من القادة الإيرانيين تمت تصفيتهم في العراق وسوريا وحتى في إيران نفسها، فهي تعتمد في مواجهة إسرائيل على وكلائها، مكتفية بدعمهم بالمال والسلاح، كما تفعل مع حزب الله في لبنان، والحوثي باليمن، والحشد الشعبي في العراق، وعناصر موالية لها في سوريا.

* *

مجمل الحديث، أن معركة الأحد بين إسرائيل وحزب الله ربما توقف صواريخ ومسيِّرات حزب الله الموجهة لإسرائيل ولكن على مراحل، حتى لا يُربط إيقافها، وكأنه إفرازات عن الضربة الإسرائيلية القوية التي تعرّضت لها، ولا يكون انسحاباً ميدانياً يتعارض مع لغة التهديد والوعيد التي اعتاد عليها حسن نصر الله في خطاباته الشعبوية المتهالكة.

* *

وأخيراً فقد لفت نظري في خطاب حسن نصر الله أنه كان ودوداً، متسامحاً مبتسماً، متصالحاً مع إسرائيل، يتحدث عن أنه حرص على عدم المساس بالبنية التحتية لإسرائيل، وعدم تعريض المدنيين للخطر، بلغة ناعمة، ومحاولة منه وكأن الحزب لم يتعرَّض إلى ما تعرَّض إليه من خسائر في القضاء على آلاف الصواريخ والمسيِّرات التي كان يباهي بها ويهدِّد بها إسرائيل، ومن المؤكد أنه أدرك عدم قدرته على المواجهة فتنازل عن الانتقام لفؤاد شكر في مسرحية الأحد التي سيسجلها حسن نصر الله على أنها انتصار للحزب كما اعتاد أن يحول كل هزائمه إلى انتصارات.