علي خضران القرني

تعود علاقتي بالقاص الروائي المسرحي الأستاذ عبد العزيز بن صالح الصقعبي إلى أكثر من نصف قرن تقريبًا، أما علاقتي بوالده الشيخ صالح الصقعبي -رحمه الله - فتزيد عن ذلك بكثير، ولا يمكن الحديث عن الابن دون المرور على العلاقة مع الأب الذي كان موظفًا بكتابة عدل الطائف التي كانت بذات مبنى المحكمة الكبرى آنذاك، وكنتُ حينها موظفًا إداريًا أيضًا بذات المحكمة، ولاشك أن تقارب العمل جعلنا نحتك ببعضنا، وعادة التعاملات الإدارية في العمل الحكومي الذي يستمر لسنوات يثمر عن تجارب وذكريات ومواقف وأحداث أظهرت لنا أن الشيخ الصقعبي الذي صحبناه وخبرناه كان مثالًا للخلق الكريم، والتعامل الحسن اللطيف، والسعي في الخير وقضاء حوائج الناس، إلى كونه مثقفًا مطلعًا بشكل لافت، وبحكم أنني كنت حينها كاتبًا تنشر لي مقالات ببعض الصحف، ومن المهتمين بالقراءة والثقافة والأدب كنت أتجاذب مع الشيخ الصقعبي الأحاديث والنقاشات بين الفينة والأخرى، واعتدت خلال ممارستي العملية المزج بين العمل الإداري والثقافي بإضافة لمسات من الثقافة والفكر أزعم أنها تضفي للعمل شيئًا من المتعة والأجواء الإيجابية، وكان هناك العديد ممن يناقشونني ويتفاعلون معي، ويكون بيننا بعض المحاورات والمراسلات والإخوانيات، ومن أهمهم: الشيخ الصقعبي، والشيخ عبدالله البسام، والشاعر حسن العارف، والشاعر عادل أبو رجيلة رحمهم الله جميعًا، والشيخ الصقعبي الذي كنت أستمتع بحواراته وأحاديثه ولا أخفي أنني فوجئت برجل مثقف محب للقراءة والاطلاع، وكان أن أكرمه الله بأبناء وبنات أخيار أبرار ظهرت تربيته الحسنة عليهم، منهم الأخ القاص الروائي عبدالعزيز الصقعبي الذي تم تعيينه بعد تخرجه من الجامعة بإدارة تعليم البنات بالطائف، والتي كنتُ قد انتقلت إليها منذ زمن، وأراد الله أن أكون مسؤولًا بها، وبقي الأخ عبدالعزيز معنا بضع سنوات كان فيها مثالًا للموظف الخلوق المبتسم الأمين المتميز فيما يوكل إليه من عمل ،والجميع يثني عليه ويذكره بالخير، ثم انتقل لمكتبة الملك فهد بالرياض، ثم غادرها لمواصلة دراساته العليا خارج المملكة، وعاد مكللًا بالنجاح، واستمر بالمكتبة حتى أحيل إلى التقاعد متسنمًا العديد من المناصب والمسؤوليات القيادية بها، أما اتجاهاته الثقافية والأدبية فبدأت بالطائف منذ مرحلة مبكرة، لا أعتقد أنها بدأت من مرحلة تخرجه من الجامعة؛ بل سبقتها إلى المراحل الأولى من دراسته في داالتوحيد، حيث بدأت تظهر لديه بوادر الموهبة والرغبة في الاتجاه الأدبي والثقافي، وقد تلتها مرحلة الجامعة التي تظهر فيها ميول طلابها وأنشطتهم وهواياتهم، وتلتها مرحلة انتمائه لجمعية الثقافة والفنون بالطائف وكذا النادي الأدبي، و بات جليًّا لنا حينها أننا أمام مبدع بدأ يشق طريقه في عالم الكتابة؛ خاصة القصة القصيرة، والقصة، ثم الرواية، وكانت بدايته بقصة (لا ليلك ليلي ولا أنت أنا)، ثم تلتها مع فرق بين السنوات ليس ببعيد مسرحية (صفعة في المرآة)، (والقرية تخلع عباءتها)، ومن القصص القصيرة الحكواتي يفقد صوته، وفراغات، ويوقد الليل أصواتهم ويملأ أسفارهم بالتعب، وأحاديث مسائية والبهو، وحارس النهر القديم، ودائمًا نجد قصص الصقعبي ذات أهداف واضحة المعاني، سهلة الأسلوب، متماسكة الأجزاء والأحداث، مفهومة لدى المتلقي.

وله من الروايات: حالة كذب، وطائف الأنس، واليوم الأخير لبائع الحمام، ومقامات النساء، وغفوة ذات ظهيرة، قطرة كحول. والمتابع لقصص وروايات الصقعبي يلمح بوضوح وجود الموهبة التي حباه الله إياها مع حرصه على الإمساك بزمام أدوات القصة ومن بعدها الرواية، وإن كان ذلك أتى بالتدرج شيئًا فشيئًا إذ لا تنضج أدوات ومهارات القاص -أي قاص أو روائي- إلا بعد مضي فترة من الدربة والاطلاع والممارسة على كتابتها ؛ ليصل بعد فترة من الزمن إلى امتلاك مهارة كتابة القصة والرواية مع ما لديه من موهبة ليخرج لنا قاص وروائي يشار إليه بالبنان، وهو ما حصل مع القاص الصقعبي، ولو قرأنا قصصه ورواياته في السنوات الأخيرة لاتضح لنا ذلك جلياَ في بنائه للشخصيات ذات التأثير المحوري، وعدم إغفاله لأي حدث أو شخصية دون أن تكون مؤثرة، وكذلك صياغته للحبكات الدرامية، وإتقان استخدام الوصف والتشويق وربط الأحداث بواقعية مقنعة للقارئ، كما نجح الصقعبي في مهارة السرد فلا نجد انقطاعًا للأحداث، ولا تناقضًا في المجريات أو الزمان أو المكان، وهي أمور مهمة جدًّا قد يؤثر عدم إتقانها أو عدم التمكن منها على نجاح العمل، وابتعاد القراء عن نتاج القاص والروائي.

• كل ذلك جعله في مقدمة كُتّاب القصة والرواية؛ ليس لدينا فحسب، بل على مستوى العالم العربي، ولا أدل على ذلك من فوز روايته (غفوة ذات ظهيرة) بجائزة المركز الأول في مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية في فرع الأدب عن عام 2021م.

وهي من رواياته الأخيرة، وكذلك حصلت مجموعته (القرية ت خلع عباءتها: مسرحيات) على جائزة وزارة الثقافة والإعلام عام 2017م

وإذا كان الصقعبي قد أبدع في علم المكتبات وهو تخصصه العلمي ؛ فلا شك أنه قد نبغ في القصة والرواية والمسرح، وأضحى نتاجه يشكل علامة فارقة في مشهدنا الثقافي والأدبي المعاصر.