فاطمة المزروعي

تتزايد نسب الإقراض في كافة أرجاء العالم، فلا يخلو بلد من البنوك والمؤسسات المالية التي تقدم أموالاً لكل من يريد سيولة مالية - قروضاً - ويتفق الجميع أن هذه السلفة تعود بفائدة وتختلف نسبتها وفق الظروف الاقتصادية والتنافس، بل إن ظاهرة الاقتراض شاملة، فقلما تجد أسرة لا يوجد من بين أفرادها شخص غير مقترض.

كثير من المحللين الماليين قدموا دراسات وبحوثاً تحاول معالجة هذا الإقبال أو الحد من هذه الظاهرة، وذلك بمعرفة أسبابها، ولعل أهم هذه الأسباب تزايد الإغراءات من وسائل الترفيه والمتمثلة في السفر والسياحة أو بمطاردة التقنية ووسائل التحديث التي لا يخلو منها بلد أو مجتمع من المجتمعات. لكن مع تصاعد نسب الإقراض وتزايد الإغراءات التي تقدمها المؤسسات المالية والمصرفية للمواطنين، تزايدت على الأثر نسب التعثر والتخلف عن السداد، والتي تتسبب بمشكلات قانونية وأسرية للمقترض. المشكلة أن كثيرين يقترضون من أجل أمور يمكن الاستغناء عنها، بمعنى أن الأموال التي يتم الحصول عليها من القرض يتم صرفها بشكل استهلاكي مثل شراء سيارة أو رحلة سياحية، ونادراً ما يتم صرف القرض على مشروع استثماري تعود أرباحه بالفائدة على المقترض، وكذلك بواسطته يتم تسديد القرض.

 وعندما تتزايد نسب الإقبال على القروض فإن المقابل هو انخفاض في نسبة الادخار وعدم وجود تفكير في التوفير، وهذا ملاحظ، فسياسة التوفير والادخار تكون نادرة وغير مطبقة، عندما تتزايد نسب القروض، وهذا يعود لعدم وجود توعية بأهمية الادخار والتوفير، نحن في حاجة أكثر من أي يوم مضى لبرامج تعمل على تنمية ثقافة أفراد المجتمع بالادخار والتوفير خاصة عندما تكون موجهة للنساء، فقد كشفت دراسة حديثة أجراها فريق من طلبة كلية إدارة الأعمال في جامعة دبي، حول سلوك الادخار لمواطني الدولة، أن النساء أكثر إقبالاً من الرجال على الشراء، وأقلهن حرصاً على الادخار، وأوضحت أن الفئة العمرية دون الـ50 عاماً من الذكور والإناث لا يعرفون آلية محددة لادخار أموالهم، ولا يملكون معلومات كافية لاتخاذ هذه الخطوة، وطالبت الدراسة، أولياء الأمور والإدارات المدرسية ووسائل الإعلام، والمعنيين، وإدارات الإفتاء، بتشجيع أفراد المجتمع من جميع الفئات العمرية على تعلم قيمة الادخار، وغرس مفهومه في عقولهم، وإطلاعهم على أفضل سبل الادخار، وكيفية الاستفادة منه في بناء مستقبلهم.

 وأوصت الدراسة بضرورة توعية الرجال والنساء في مراحل عمرية مبكرة حول الادخار وأهميته، وأفضل الطرق للقيام به، إضافة إلى غرس الفكرة في عقول الصغار بدءاً من المدرسة، وأكدت ضرورة العمل على توضيح حكم الشريعة الإسلامية في التعاملات التجارية المختلفة التي تتعلق بالادخار.

ومع الأسف فإن الواقع يؤيد ما ذهبت له هذه الدراسة، حيث يوجد شبه غياب لفكر التوفير، وإقبال محموم على القروض بطرق مختلفة وألوان متعددة حتى عن طريق البطاقات الائتمانية، والتي تشجع بطريقة غير مباشرة على الصرف، فعندما تكون موجودة مع أحدهم ويتوجه لأحد الأسواق فمؤكد أنه سيقوم بالشراء بواسطتها، حتى وإن كان حسابه البنكي لا يكفي لتسديد ما تم شراؤه، فيحمل نفسه ديوناً تتراكم يصعب تسديدها فيما بعد.

البنوك التي تتسابق على وضع تسهيلات وتقوم بعمل حملات إعلانية ضخمة لترغيب المواطنين في قروضها وبطاقاتها عليها مسؤولية اجتماعية كبيرة في هذا السياق، حيث يجب أن تسهم في برامج التوعية للأسر وللرجال والنساء على أهمية الادخار والتوفير، وهي دعوة لنعمل على الحد من ظاهرة القروض المتزايدة، والتي تقضي على مداخيل الأسرة، وتهدد استقرارها الاجتماعي والاقتصادي.