حينما ينسى الممثل على خشبة المسرح نصه، يلجأ للتندر على نفسه كحيلة للخروج من مأزق النسيان. يسمونه الإنجليز انتقاص الذات أو التندر عليها. لجأ إلى ذلك عادل إمام في «مدرسة المشاغبين»، واحترفه شارلي شابلن في أفلامه الصامتة. وفي ثنايا التقليل من شأن أنفسنا عوامل نفسية دفينة.
فكم من تندر أنقذنا من موقف محرج، وبدد القلق، والتوتر، وأكسبنا شيئاً من القبول الاجتماعي. وذلك على طريقة تواضع سقراط بقوله: «كل ما أعرف أنني لا أعرف شيئاً». والإمام الشافعي ببيته الشهير: «أحب الصالحين ولست منهم / لعلي أن أنال بهم شفاعة». ويُروى أن تشرشل قال في مجلس العموم: «لقد كنت أكثر تواضعاً مما ينبغي، لكنني لن أسمح لذلك أن يحدث مرة أخرى».
حينما يقول من أعد أطباقاً لضيوفه: علاقتي بالطبخ مثل علاقة راعي الغنم بالمركبات الفضائية، هو يقلل من شأنه بدعابة اجتماعية. غير أن التقليل من الذات لا يحبذ في لحظات الجد، وأروقة العمل، وعند التعامل مع المسؤول المباشر. والأخطر اللجوء إليه في ظل وجود ثلة تنقض على فريستها بأنياب السخرية.
التقليل من الذات علانية دعابة، أما إضمارها في النفس فهو تدنٍ في تقدير الذات. وتقدير الذات لا يفترض أن يهتز لأنه نظرتنا لأنفسنا، أما الثقة بالنفس فتنخفض وترتفع بحسب نجاحاتنا وإخفاقاتنا. انتقاص الذات حالة ذهنية مقلقة إذا كانت جزءاً من حديث النفس، حسبما أشارت دراسة لسوزان سبير من جامعة مانشستر. وتدعو الدراسة إلى استخدام «مقنن» لذلك.
وحديث النفس الداخلي السلبي، لا يقل تدميراً لذواتنا عن المجاهرة. فهو يمحق لذة الإنجاز والتقدم. الإفراط في الإساءة للذات ينم عن انعدام الثقة بالنفس، وهو دعوة للهجوم والتندر عليها. وتكرار ذلك يعزز صورة نمطية مشينة. كما أكثر الاعترافات صراحة وخطورة اعتراف المرء بعيوبه. فالاعتراف يبدد الشكوك... وهو سيد الأدلة.
عندما لم يجد الحطيئة من يهجوه بشعره، رأى ذات يوم على صفحة ماء البئر وجهه فاستقبحه فقال:
أبت شفتاي اليوم إلا تكلما...
بسوء فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجهاً قبح الله خلقه...
فقبح من وجه وقبح حامله
وهذه معضلة يقع فيها كل من يعتاد على التقليل من شأن الآخرين فلا تسلم منه نفسه!
التعليقات