حسين الراوي

جاء في رواية «الخيميائي» أن أحد التجار أرسل ابنه لكي يتعلم سر السعادة من أكبر حكيم بين البشر. سار الفتى طوال أربعين يوماً في الصحراء قبل أن يصل أخيراً إلى قصر جميل يقع على قمة جبل، حيث يعيش الحكيم الذي يبحث عنه. دخل هذا الفتى إلى قاعة القصر مباشرة، فوجدها تعج بالحركة والناس، كان هناك تجار يدخلون ويخرجون وأُناس يثرثرون في إحدى الزوايا، ومائدة حافلة بأشهى أطعمة هذه المنطقة من العالم.

وكان الحكيم يتكلّم إلى هؤلاء وأولئك، فاضطر الفتى أن يصبر ساعتين كاملتين قبل أن يحين دوره.

استمع الحكيم بانتباه إلى الفتى، وهو يشرح سبب زيارته، لكن الحكيم قال للفتى إن لا وقت لديه الآن ليكشف عن سر السعادة.

واقترح على الفتى أن يقوم بجولة في القصر، وأن يعود إليه بعد ساعتين. ثم أعطى الحكيم ذلك الفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتا زيت، وقال له: إنني أشترط عليك أثناء تجوالك في القصر أن تمسك في هذه الملعقة على نحو لا يؤدي إلى انسكاب الزيت منها.

بدأ الفتى يصعد وينزل على سلالم القصر مثبتاً عينيه بتركيز مستمر على الملعقة، وبعد ساعتين أنهى الفتى جولته في القصر وعاد إلى مقابلة الحكيم.

سأله الحكيم: هل شاهدت السجادات الفارسية في غرفة طعامي؟ هل شاهدت الحديقة التي استغرق إنشاؤها أعواماً عشرة على يد أمهر بستاني؟ هل لاحظت اللوحات الجميلة في مكتبي؟

اعترف الفتى مرتبكاً أنه لم يشاهد شيئاً، بل كان همه الوحيد عدم انسكاب نقطتيْ الزيت اللتين عهد الحكيم بهما إليه.

فقال الحكيم له: حسناً عُد الآن لأخذ جولة ثانية في القصر، وليكن جُل تركيزك على ملعقة الزيت، وحاول أن تشاهد تلك الأشياء التي تمرّ بها أثناء جولتك هذه.

أخذ الفتى الملعقة وقد غدا أكثر ثقة بنفسه، وعاد يتجوّل في القصر موالياً انتباهه هذه المرة إلى شتى التحف واللوحات الفنية المعلّقة على الجدران، والزخارف التي تُزّين السقوف، وشاهد حديقة القصر الخلابة والجبال المحيطة به، وتنسيق زهور القصر، ورهافة الذوق الجميل في اختيار ألوان القصر المنسجمة مع بعضها.

عاد الفتى إلى الحكيم، وحدثه بدقة عن كل ما شاهده في جولته الثانية.

وحينما سأله الحكيم: أين هما نقطتا الزيت اللتان عهدت بهما إليك؟ أدرك الفتى وهو ينظر إلى الملعقة أنه قد أضاع نقطتا الزيت!

عندئذٍ قال الحكيم: تلك هي النصيحة الوحيدة التي يمكنني أن أسديها إليك، إن سرّ السعادة هو أن تشاهد كل روائع الدنيا من دون أن تنسى إطلاقاً نقطتيْ الزيت في الملعقة. انتهت القصة.

البعض من الناس لا يرى من هذه الدنيا ولا يُركز إلا على آلامه وأحزانه وانكساراته، رغم أنك لو قارنت حجم مشكلاته بحجم تلك الأشياء الجميلة في حياته، لكان حجم مشكلاته ضئيلاً جداً أمامها. إن التركيز في الهم والحزن يرسم في مدى نظراتنا لوحة موحشة بألوان كئيبة. يقول أحد الأدباء: «الأسى يبعث الأسى، والحزن يستدعي الحزن، كما أن الفرح يبذر النشوة في جوانحنا».

هذه الحياة مازالت تحتفظ بأشياء كثيرة جميلة لم تختفِ إلى الآن، فمن الظلم للنفس أن نسجنها في جدران الكآبة، وهي بين بساتين، ورحى الهم لا تطحن إلا الضعفاء.

حكيم تلك القصة أراد أن يوصي ذلك الشاب الذي هو في مقتبل العمر ألا تشغله مشاكله عن رؤية بقية الأشياء الجميلة في هذه الدنيا، بل يستمتع بالجانب الجميل في حياته ويسعى بكل جهد إلى أن يُنهي جميع مشاكله بالإيمان والحُب والأمل.

يقول هيرمان: «لا تجعل من أحزانك نشيداً تردده دائماً».