لو عدنا بالتاريخ لخمسة أشهر فقط إلى الوراء، لكان المشهد كالتالي في الكويت: جماعة «الحركة الدستورية الإسلامية»، فرع «الإخوان المسلمين» في الكويت، مُمثّلة في مجلس الأمّة، وتُلاعب الحكومة بأعضاء «علنيين» وآخرين «مُستَتِرين»، ورجالُها مُتغلغلون في أغلبية مفاصل الدولة تحت عناوين شتّى، وسيطرتُها قويّة على إيقاع المشهد السياسي، ونفوذها واسع في مفاصل المجتمع. أمّا اليوم فقد بدأ هذا المشهد بالتغيّر، بعد أن فقد أغلب نوّابها فاعليتهم، واختاروا التزام الصمت، بعد حلّ مجلس الأمّة وتعليق بعض موادّ الدستور، من مايو الماضي، وبدأ رجالها، في مفاصل الدولة، بالتساقط بطرق ذكيّة، وآخر ضربة «علنيّة» تلقّوها تمثّلت في القرار الحازم بإلغاء اتحاد الطلبة في الجامعات، الذي كان أحد أهمّ معاقل «الإخوان» الشبابية.
منذ بدايات الإخوان في الكويت، مع أواخر أربعينيات القرن الماضي، ركّزوا على شريحة الشباب، باعتبارهم منبع البدايات لكلّ شيء، وعملوا على «تفريخ» الجمعيات والأندية للتأثير في مفاصل المجتمع، ووصل الكثير منهم إلى العديد من مراكز اتخاذ القرار، وقلب وعقل متخذيه!
حتى عندما أعلن «إخوان الكويت»، بطريقة مسرحية ممجوجة، انفصالهم عن التنظيم العالمي الأم في مصر، بسبب دعم التنظيم للعراق في غزو الكويت في 1991، تغيّر عملهم السياسي، ودخل في مسارات متعرّجة حفاظاً على الوجود، لكنّ عملهم الشبابي حافظ على زخمه، وكان يسير بخطى ثابتة ضمن مخطّط طويل الأمد. ويرى المراقب أن لـ«الإخوان» 4 أذرع أساسية في الكويت:
1 - جماعة «حدس»، الذراع السياسية.
2 - جمعيّة الإصلاح (وأخواتها)، الذراع الدعويّة.
3 - اتّحاد الطلبة، ذراع الشباب وتفريخ القيادات.
4 - المناصب والكوادر في الدولة.
إضافة لذلك للإخوان وجود فعّال، متجذّر وقوي، في بعض الجهات التي تتحكم بإدارة مليارات الدنانير من مؤسسات مالية واستثمارية وتعليمية، تابعة للقطاع الخاص، إضافة لجهات حكومية تدير مليارات أخرى، كان حق الإشراف عليها دائماً منوطاً في الغالب الأعم بمن ينتمون للإخوان، كالأمانة العامة للوقف، وهيئة شؤون القصّر، وبيت الزكاة وغيرها، بخلاف موازنات عشرات الجمعيات الخيرية، البالغة الضخامة والنفوذ.
كما لوحظ أخيراً أن أذرع «الإخوان» بدأت تضعف واحدة تلوى الأخرى، ربطاً بإجراءات المرحلة الجديدة، التي تشهد إعادة تنظيم شاملة على مستوى الدولة، ومن الطبيعي أن تلفح تيّارات الإسلام السياسي بقوّة.
وأعتقد شخصياً أن الإخوان تأثروا سلباً بقرارات الحكومة المتعلقة بسحب الجنسية ممن لا يستحقونها، فنسبة من هؤلاء كانوا من الإخوان، الذين انتسبوا لهم ليشكلوا مظلة حامية لهم مستقبلاً، وقبلها للاستفادة منهم في التعيينات والترقيات والصفقات، مع هذا لم يتردد الإخوان في تسهيل الانتساب لهم بمثل هذه النوعيات غير مقبولة، وهذه مسألة معروفة، فليس غريباً أن عدداً ممن يمثلونها، ومن ينطقون باسمها، ويكتبون نيابة عنها، لا يتمتعون بأية سمعة أو سيرة شخصية محمودة، مع كل ما تعرضوا له من اتهامات مهنية وأخلاقية، وحتى محاكمات، فإن قياداتهم لم تطلب منهم حتى مجرد التخفيف من ظهورهم الإعلامي، فكيف لجهة تدعي التديّن والدعوة للصلاح والإصلاح، تقبل بهؤلاء ناطقين باسمها، وممثلين لها في مختلف المحافل!
عهد الإخوان إلى زوال، طال الزمن أم قصر، ففكرهم يخالف العصر، ويتعارض مع أغلبية مبادئ حقوق الإنسان، إن لم يكن كلها.
أحمد الصراف
التعليقات