المعنى المقصود بـ«قوة» في عنوان المقالة، هو التوصيف المُعطى في مختلف المحافل الدولية لكل دولة تمتلك إمكانات متميزة، وبالتالي تُعرَف بأنها «POWER». والقوة هنا متعددة الأبعاد. فهي -أولاً- تأثير سياسي مهم، يستند -ثانياً- إلى ثقل اقتصادي مؤثر في أكثر من مستوى، ثم إنها -ثالثاً- قوة تتسم بدور روحاني كبير. القول بما سبق ليس لمجرد المديح. إنما، حتى لو نُظر إلى المسألة من هذا المنظار تحديداً، فمن الواجب توثيق نجاح أي طرف في تحقيق الذي فشل آخرون في تحقيقه، رغم كل الإمكانات التي توفرت لهم.

إن إنزال الناس منازلهم التي هم بها جديرون هو من بديهيات الأمور. ضمن هذا السياق، يمكن القول إن المملكة العربية السعودية، المُحتَفل بيومها الوطني الرابع والتسعين يوم أول من أمس (الاثنين)، استحقت مكانتها بجدارة، كي تصبح قوة يُحسب لها الحساب على المسرح العالمي، بعدما نجح ملوكها، منذ زمن مؤسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان، في تجديد شبابها، وتطوير رؤاها، وتمتين قدراتها، عبر السنين.

بيد أن الصعود السعودي تطلّب أكثر من مواجهة مع قوى مضادة له. داخلياً، كان لا بد من التصدي لمحاولات عرقلة المضي بثبات على طريق التجديد. الأخطر في تلك المواجهات كان -ولا يزال- مع تيارات تقاوم التغيير إلى الأفضل في كل المجالات، خصوصاً في مجال تطوير بناء الإنسان، وتلجأ إلى توظيف الدين تحديداً في مقاومتها للانطلاق نحو المستقبل. من جهتي، تابعتُ -كما كثيرون غيري من شريحة جيلي- من كثب، خلال ثمانينات القرن الماضي، ثم التسعينات منه، وصولاً إلى مطالع ألفية الميلاد الثالثة، مدى احتدام المواجهات الفكرية بين عقول التنوير، وأدمغة الشد إلى الوراء. أما على الصعيدين العربي والإسلامي، وبينهما المستوى الإقليمي، فقد كان قدر المملكة العربية السعودية أن تظل في مواجهات شبه دائمة، مع محاولات تبذلها جهات إقليمية وأيضاً دولية، ليس من غرض لها سوى الإخلال بأمن السعودية، والعبث باستقرار شعبها. من جهتهم، أحسن القادة السعوديون صنعاً في المواجهة مع القوى التي تريد إلحاق الأذى بشعبهم، حين وضعوا جُلّ اهتمامهم في مواصلة البناء، والاستمرار في الثبات على مواقفهم العربية، وكذلك الدولية، بلا التفات لكل أصوات الزعيق بالتشكيك المرفوض أساساً من الشعب السعودي الواثق بحكمة قادته. بيد أن أسوأ محاولات الإيقاع بين المواطن السعودي وجواره العربي، والامتداد الإسلامي لانتمائه، كانت -ولم تزل- هي تلك التي تستخدم فلسطين، القضية والشعب والمأساة، لأجل خدمة أغراض قوى خبيثة، آخر همها هو معاناة الفلسطينيين. ولقد طفحت هذه الحالة أكثر في الأشهر الأخيرة منذ حرب بنيامين نتنياهو الوحشية على قطاع غزة، وفي الضفة الغربية. موقف السعودية الثابت إزاء فلسطين ليس بحاجة إلى الدفاع عنه، ويكفي السعودية، شعباً وقيادة، التمسك بالقول الحق: «ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون»، ذلك أن الحق ظاهر على الباطن، طال الزمان أم قصر.