أصبحت جزءاً من طقوس منطقة الشرق الأوسط الزيارات التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة؛ وكانت زيارته الأخيرة للمنطقة هي العاشرة حسب ما كان العدد. جدول الزيارة تضمن خمس دول عربية، هي مصر، والمملكة العربية السعودية، وقطر، والإمارات العربية المتحدة والأردن؛ والقائمة لا توجد بها إسرائيل. اللفتات توحي ليس بغضب على إسرائيل وإنما بعض برود يفتح الطريق للعلاقات الثنائية؛ لأن محاولة جديدة لوقف إطلاق النار لا توجد ضمانات لها، كما أن الانتخابات الرئاسية الأميركية باتت حامية الوطيس بعدما أشيع عن محاولة أخرى لاغتيال المرشح الرئاسي دونالد ترمب قد تعيد إليه قوة الدفع التي فقد الكثير منها خلال الفترة الأخيرة. ببساطة، فإن أميركا مشغولة للغاية، ومن الواضح أن المفاوضات باتت ساحة لمباريات المهارة في إحباط المفاوضين والوسطاء بينما الحرب تفشل هي الأخرى في إنهاء المعركة. الضحية الأولى في ذلك واضحة وهي الشعب الفلسطيني في غزة، وأضيف لها أخيراً الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية؛ لكن شعوب المنطقة الأخرى تخسر ليس القليل، فمصر والأردن يقفان على أهبة الاستعداد؛ لأن لا أحد يعرف إلى أين سوف تسير المعارك، ولأن الحرب طالت قناة السويس؛ ولبنان وسوريا والعراق واليمن تخسر لأنها دخلت الحرب عن طريق ميليشيات «الحوثيين» و«الحشد الشعبي» و«حزب الله» وفصائل أخرى لا تعد. إسرائيل تعرف أنها الآن يمكنها أن تعض النواجذ في انتظار ترمب حتى تتخلص من أعباء السمعة في الولايات المتحدة ودول الغرب. الحرب بعد ذلك كله تحمل في طياتها احتمالات حرب أكثر اتساعاً تشمل إيران في تلك المنطقة الإقليمية التي يخاف منها الجميع، لكن أحداً لا يسعى لإيقافها قبل أن تشتعل.

المنطقة هكذا تقف على صفيح ساخن، لكن الدول والشعوب لا تبقي على ذلك طويلاً متجاهلة أجيالها القادمة التي تطلب من قادتها أن تعدّ للعمل والإقامة والزواج والارتقاء إلى مستويات عالمية. الدول العربية التي عزمت خلال السنوات العشر الماضية على أن تغير أحوالها كونت نادياً للعقلاء لكي توقف الحرب، ومثلها في ذلك مصر وقطر، لكن النتيجة لا تزال تجعل وقف القتال فضلاً عن تحقيق السلام من المُحال الذي يأتي عند البحث عن الخل الوفي. الأمر هكذا لا ينبغي أن يبقى في يد «حماس» والجماعات المسلحة من غير الدول بحيث تقرر مصير دولها ومستقبل المنطقة كلها فهي لا تكسب حرباً، ولا يبدو أن لديها استراتيجية لكسبها. لم يكن لا لدى «حماس» ولا «حزب الله» خطة ليوم الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. الجبهة الوحيدة التي لم يقترب منها أحد كانت الشعب الإسرائيلي الذي مثله مثل الشعب الفلسطيني ما زال يعطي رأسه لقادته، وهم في هذه الحالة نتنياهو والسنوار، ووراء كل واحد منهما متعصبون ولا تجد معضلة في استشهاد عشرات الآلاف وتدمير المدن والبنيات الأساسية.

الشعب الإسرائيلي هو الحلقة التي تحتاج إلى الاقتراب من نادي العقلاء وهم البناؤون العرب من أنصار الرشد والسلام والسعي الحقيقي لإقامة الدولة الفلسطينية لإنقاذ الجميع من حرب أبدية يدفع فيها الثمن الجميع إلا أنصار البطولة والشهادة. الشعب الإسرائيلي لا يؤيد كله نتنياهو وجماعته الخرقاء، وبعضه يرى بعض الحق للفلسطينيين، وبعضه الآخر يرى أن الحرب الأبدية ليست استراتيجية لتحقيق مصالح الشعوب، وبعضه الثالث يجد أن مهمة الحرب باتت فاشلة لأن الرهائن يموتون أو يقتلون من دون نصر أو كرامة. هناك البقايا اليسارية والليبرالية، كما أن هناك الإسرائيليين العرب الذين يلقون اللوم عليهم ويشمل إسرائيل وفلسطين أيضاً لفشلهما في إدراك مبكر للسلام والاستسلام لجماعات دينية راديكالية خرقاء. هناك صحف مثل «هآرتس» تطالب بوقف القتال والبحث عن السلام، وهناك بعد كل ذلك العالم الذي ينتظر معجزة لكي تتوقف عجلة الحرب الجهنمية. ما يمكن التفكير فيه الآن هو تقديم اختيار تاريخي وكبير إلى الإسرائيليين وليس إلى نتنياهو، يستعيد روح المبادرة العربية للسلام وقوامها أن المنطقة الآن تنقسم قسمين: قسم مَن يريدون البناء والسلام، وقسم مَن يريدون الحرب والتدمير. الخيار يكون مطروحاً على الجانب الآخر صريحاً وواضحاً؛ ومن تجاربنا في مصر فإن ذلك سوف يشعل أقصى اليسار وأقصى اليمين من جماعات سياسية وكتائب التواصل الاجتماعي، لكن سوف يكون على الجانب الآخر من سوف يفكر في كيف يمكن أن تعود الأيام إلى سيرتها الطيبة الأولى. باختصار، سوف يكون المعروض على إسرائيل أن تقرر عما إذا كانت تريد أن تكون جزءاً من الإقليم وتعطي الفلسطينيين حقهم في الدولة؛ أم أنها تريد المزيد من الحروب؟