سعيد محمد الطاير
أرست دولة الإمارات العربية المتحدة دعائم الاقتصاد الدائري وتبنَّت مبادئه وممارساته على نطاق واسع، باعتباره محركاً أساسياً للنمو الاقتصادي المستدام يعتمد على رؤية شاملة تتماشى مع متطلبات الحفاظ على البيئة وتحقيق الاستدامة على المدى الطويل من خلال تقليل هدر الموارد الطبيعية وإعادة استخدام وتدوير المنتجات، بدلاً من النموذج التقليدي الذي يعتمد على استخراج الموارد، وتصنيع المنتجات، واستهلاكها، ثم التخلص منها.
يهدف الاقتصاد الدائري إلى إعادة تعريف النمو الاقتصادي مع التركيز على ضمان الفوائد الإيجابية على مستوى البيئة والمجتمع. وتكمن أهمية الاقتصاد الدائري في عدة جوانب تشمل تقليل استنزاف الموارد الطبيعية، والحفاظ على التنوع البيولوجي، والحد من الانبعاثات الكربونية، وتحسين كفاءة استخدام الموارد، إضافة إلى تحقيق عوائد اقتصادية من خلال تقليل التكاليف المرتبطة باستخراج المواد الخام وإدارة النفايات، وكذلك من خلال تطوير تقنيات ومنتجات جديدة تتسم بالكفاءة والاستدامة، فضلاً عن دعم المجتمعات المحلية من خلال تقليل الاعتماد على استيراد المواد الخام وتعزيز الصناعات المحلية المعتمدة على إعادة التدوير.
وتمثل سياسة الاقتصاد الدائري 2021 - 2031 لدولة الإمارات إطاراً شاملاً لتحديد نهج الدولة في تحقيق الحوكمة المستدامة والاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية، حيث تتضمن أولوياتها البنية التحتية والنقل المستدام والتصنيع المستدام والإنتاج والاستهلاك الغذائي المستدام. وتشجِّع هذه السياسة تبنِّي أنماط الإنتاج والاستهلاك المستدامة، بما يضمن تأمين المواد الخام، وتعزيز التنافسية، والحد من هدر الموارد، انسجاماً مع الأجندة الوطنية الخضراء 2030، ومئوية الإمارات 2071.
كما أطلقت دولة الإمارات 22 سياسة لدعم وتسريع الانتقال إلى نموذج الاقتصاد الدائري في عدد من القطاعات ذات الأولوية، ومنها قطاعا التصنيع وإنتاج الغذاء. وتتماشى هذه الجهود مع رؤية الدولة الرامية إلى مضاعفة حجم الاقتصاد بحلول عام 2031 مع تقليل الانبعاثات الكربونية.
ومن بين المبادرات البارزة ضمن سياسة الاقتصاد الدائري، مشروع إعادة تدوير الألمنيوم في إطار برنامج «التدوير يبدأ بعلبة» الذي انطلق خلال فعاليات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، الذي استضافته دولة الإمارات العام الماضي في مدينة إكسبو دبي. وتعد الإمارات أول دولة في منطقة الشرق الأوسط تنضم إلى هذه الحملة التي تهدف إلى تعزيز استعادة الموارد ومنع نفايات الألمنيوم من الوصول إلى مكبات الطمر، بما يتماشى مع مبادئ الاقتصاد الدائري ويدعم جهود الحد من الانبعاثات.
وفي إطار هذا البرنامج، وضعت رئاسة مؤتمر الأطراف COP28 وقيادات قطاع صناعة الألمنيوم على المستوى العالمي هدفاً لإعادة تدوير 80 % من علب المشروبات المصنوعة من الألمنيوم بحلول عام 2030 و100% من العلب بحلول عام 2050، إذ تستهلك إعادة تدوير الألمنيوم طاقة أقل بنسبة 95 % مقارنة بتصنيع معدن جديد، ما يؤدي إلى خفض الانبعاثات بشكلٍ كبير. ويمكن أن تسهم إعادة تدوير جميع علب المشروبات المصنوعة من الألمنيوم عالمياً إلى تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنحو 60 مليون طن سنوياً.
يشكِّل الاقتصاد الدائري محوراً رئيسياً خلال الدورة العاشرة من القمة العالمية للاقتصاد الأخضر، التي تُنظَّم برعاية كريمة من سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لتدعم جهود دولة الإمارات في العمل المناخي العالمي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، عبر إتاحة منصة رائدة لاستعراض الحلول المبتكرة ودفع عجلة التعاون الدولي في مجالات ذات أولوية مثل الاقتصاد الدائري، وخفض الانبعاثات الكربونية، والطاقة النظيفة، والتمويل المناخي.
نتطلع خلال فعاليات القمة التي يعقدها المجلس الأعلى للطاقة في دبي، وهيئة كهرباء ومياه دبي، والمنظمة العالمية للاقتصاد الأخضر يومي 2 و3 أكتوبر 2024 في مركز دبي التجاري العالمي إلى مواصلة تسليط الضوء على العوامل اللازمة لنجاح تطبيق نموذج الاقتصاد الدائري ومناقشة سبل الانتقال من إعادة التدوير إلى إعادة الاستخدام، وإعادة عملية تصميم المنتجات لإطالة عمرها الافتراضي وتقليل النفايات الإجمالية لتعزيز النمو الاقتصادي، وإرساء أسس مستقبل أخضر، مرن ومستدام.
التعليقات