من الطبيعي أن يكونَ الوضعُ في الإقليم متوتراً، وبخاصة بعد هذه الحملاتِ الحيّة الكبرى. وبعد اغتيال زعيمِ ميليشيا «حزب الله» وجمع معه ممن ذهب أو سيذهب؛ ثمة عمليات كبرى تقوم بها إسرائيل. الدول ليست جمعيات خيرية. لها مصالحها وأهدافها وحركتها. وعلى هذا الأساس يجب بناء الاستراتيجيات المؤسسة والمدروسة، لا يمكن بناء الدول على تخمينات أو خطابات، وإنما أفكار قابلة للتنفيذ.

من المؤلم سعي محور المقاومة وميليشياتها لتجريب الإسرائيليين واختبار غضبهم كل بضع سنوات.

بعد حرب 2006 المتسببة في مقتل أكثر من ألفي لبناني، وفي خسارة اقتصادية فادحة بلغت أكثر من ملياري دولار، قال نصر الله كلمته الشهيرة: «لو كنت أعلم لما خطفت الجنديين الإسرائيليين»، وفي عام 2009 جربت «حماس» الإسرائيليين مجدداً وتسببت في مجازر كبيرة، وفي عامي 2012 و2014، حدث مثل ذلك والآن تجرب مع الإسرائيليين الحرب، والآن تدك لبنان في عددٍ من المناطق القوية والصلبة.

إنَّ المشكلة اليوم تتعلق بمفهوم «المقاومة»، الذي أخذت دلالته تتمدد منذ بواكير تأسيس الحركات «حزب الله» والكتائب الفلسطينية و«حماس»، وليس انتهاءً عند الحوثي. ومفهوم المقاومة محمل ومشحون بالآيديولوجيا الأصولية؛ فهو هنا لا يعني الدفاع عن النفس، ولا منازلة المعتدي، وإنما له سياقه السياسي والآيديولوجي والحزبي.

ارتبط مفهوم المقاومة بالتصعيد الانتحاري والضغط على العدو، لا من خلال العمل العسكري، بل عبر ثقافة الانتحار، هنا لا يشمل الموضوع فقط جهادياً في «كتائب عز الدين القسام» يفجّر نفسه في مقهى بالقدس أو بتل أبيب، وإنَّما حركة «حماس» جعلت الشعب الفلسطيني كله وغزة مطوقة بحزام المغامرة الناسف، وتحت رحمة القرار غير المسؤول لتجريب ردة فعل الإسرائيليين المشهورة بعنفها وسحقها، فالقوة الإسرائيلية لا ترحم، وتعوّد عليها العرب في تاريخهم الحافل بالهزائم والنكبات.

لقد خسرت الشعوب اللبنانية والسورية والفلسطينية واليمنية مبالغ باهظة، وانهارت اقتصادات، وترنحت الشعوب حائرة تحت سطوة سلطات بليدة مغامرة.

مثلت قضية فلسطين طوال العقود الماضية، للسياسيين مصيدة أخلاقية تبرر للشعوب جرائمها، إذ دُكت دول وعواصم واحتُلت بلدان بأكملها وهُجّر الملايين باسم المقاومة وباسم فلسطين، إذا كانت الشعوب عازمة على التنمية فعليها بالفعل أن تؤسس لمحاكم تقاد فيها زعامات المقاومة إلى العدالة، حين تتطور ثقافة الانتحار من تفخيخ جسد الفرد، إلى تشريك عواصم ومجتمعاتٍ بأكملها فإن هذه جريمة ضد الإنسانية؛ لذلك يتعاطف الجميع مع المآسي، لأن ضحاياها رهائن مختطفة من قبل قوى ظلامية تخضع لدول مارقة.

الخلاصة؛ أن التاريخ يكتب دوماً درسه وعلينا الانتباه أن هذه المرحلة حادة، بل شديدة الحدة، ومن دون الرجوع إلى الأصول والقوانين والمؤسسات، فإن هذا يعدّ تهديداً للأمن الدولي، فالمرحلة متغيرة، والخرائط تبّدلت. وجزء من المعيارية الأخلاقية التي تطوّق الحديث عن فلسطين صنيعة إخوانية، ويكررها اليوم جمع من المثقفين والأكاديميين، من هنا يحاول المحور إعادة ضخ الخطاب الإخواني بكل ما أوتي من قوة، وجعل المعجم الإخواني حول فلسطين هو المثبت للتحليل السياسي والتعاطي الإعلامي مع كل حربٍ تشنها إسرائيل، وهذا فيه إجحاف وإنكار للتطور التي حدث لدى عددٍ من الشعوب العربية، وبخاصة التي اختارت السلام، ووقعت اتفاقيات التسامح والتصالح بين أتباع الأديان، كما أن هذه الضربة والمغامرة «الحمساوية» إنما تستهدف تأخير أي اتفاق سلامٍ مزمع، إنهم يعوّلون على حرجٍ افتراضي أمام أي دولة تعتزم توقيع اتفاقية سلام.