أصبح النظام العسكري الجزائري يُثير الكثير من الشفقة وهو يتمسك بقشة من أجل البقاء على قيد السلطة وفوق رقاب العباد، ويُسخِر من أجل ذلك كل أبواقه الإعلامية في الداخل والخارج للاحتفال بمناسبة أو بدونها أو من أجل ذر الرماد في عيون الشعب الجزائري الشقيق.

لقد أجّل النظام الجزائري كل أعماله من أجل التفرغ لكتابة “سكريبت” حول قرار محكمة العدل الأوروبية يوم الجمعة 4 أكتوبر الجاري وتوزيعه على أبواقه، معتبرا ذات القرار نصرا مبينا.
وحسنا فعلت وزارة الخارجية المغربية بنشرها لرد أقل ما يقال عنه إنه كلام العقلاء والحكماء وأن الدولة المغربية غير معنية بقرار محكمة العدل الأوروبية وليست طرفا فيه، مع التأكيد على التزامها باحترام التعاقدات التي تحترم الوحدة الترابية والوطنية المغربية لعقد الشراكات.

لا أحد يعرف كم كلف هذا القرار خزينة "سونطراك"، خاصة بعد رئاسيات سريالية لعبد المجيد تبون ونسبة 94 في المائة… لكن الأكيد هو أنه لا يخرج عن تلك “الشطحات الكلاسيكية” منذ إعلان خطة السلام ووقف إطلاق النار سنة 1991، وذلك بفتح جبهات الصراع في أماكن أخرى؛ من سجالات قانونية وقضائية وأخبار زائفة وشراء الذمم والولاءات، سواء داخل البيت الإفريقي أو على مستوى بعض المؤسسات الأوروبية،وشيطنة المغرب وتشويه صورته بالخارج، وما نلاحظه اليوم من هجوم إعلامي “مخدوم” ضد مؤسسات سيادية وأجهزة أمنية ورجالات مشهود لهم بالكفاءة والولاء، لا يخرج عن أبجديات عقدة وعقيدة العداء الجزائري للمغرب.

بالعودة إلى قرار المحكمة الأوروبية الاخير، والذي أعتقد أنه أخطأ في موضعيْن: أولهما أن القرار ذاته تجاهل قرارا سابقا لمحكمة أوروبية سنة 2015، وقضائِها بأن جبهة البوليساريو ليس لها صفة التقاضي.مما سيدفع الجزائر سنة 2018 إلى الاستعانة بخدمات “منظمة وسترن صحرا كومباني”، والمعروفة بتقاريرها الاقتصادية والاستثمارية ضد المغرب باعتبارها أحد أذرع جبهة البوليساريو انطلاقا من مقرها بلندن وفروعها بأوروبا؛ لكن بقي مطروحا سؤال مصدر تمويلها منذ سنة 2005؟

بداية رفعت المنظمة البريطانية دعوى أمام المحاكم البريطانية ضد مؤسسات بريطانية، بدعوى دخول منتوجات بحرية وفلاحية غير قانونية إلى بريطانيا، وتبعا لذلك، ستحيل المحكمة العليا البريطانية إلى محكمة العدل الأوروبية لتفسير تطبيق الاتفاق المعمول به في مجال الصيد البحري والفلاحة بين الرباط وبروكسل.
وهذا يعني، من جهة أولى، أن المؤسسات القضائية الأوروبية تعتبر جبهة البوليساريو غير ذات صفة للتقاضي، أي أنها لا تمثل الصحراويين المغاربة.وقد تأكد هذا في أكثر من استحقاق انتخابي، حيث كانت تسجل المناطق الصحراوية أكثر نسبة في المشاركة؛ آخرها انتخابات السابع من سبتمبر 2021.

كما يؤكد، من جهة ثانية، واقعية المبادرة المغربية للحكم الذاتي في أبريل 2007 أمام استحالة تحديد معايير موضوعية وواقعية لحصر لوائح الكتلة الناخبة الخاصة بقرار خطة السلام 690/1991.
لذلك، لا داعي لكل هذا الاحتفال الطفولي بدمية العيد وتسويق، بسوء نية، أن الجبهة الانفصالية هي الممثل الوحيد في غياب أي سند قانوني أو واقعي يثبت ذلك.

وأما ثاني الموضعيْن اللذين أخطأ فيهما قرار المحكمة الأوروبيةالاخير، فيتمثل في إعادة حيثيات هذا القرار إلى سردية تنتمي إلى زمن الحرب الباردة تجاوزها المنتظم الدولي، من خلال قرارات مجلس الأمن الدولي المكلف حصريا بالنظر في ملف الصحراء المغربية؛ لأنه بهذا تضع المحكمة الأوروبية نفسها فوق مجلس الأمن الدولي وفوق الشرعية الدولية..
لكن سرعان ما نتذكر أن نهاية شهر أكتوبر هو موعد إصدار قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص الصحراء المغربية.لذلك، فالنظام الجزائري، وهو العضو غير الدائم بمجلس الأمن الدولي، يعتقد أن ذات القرار سيؤثر على إرادة مجلس الأمن الدولي في صياغته للقرار الجديد والتصويت عليه من خلال قرار محكمة أوروبية مشوب بالعديد من العيوب القانونية ويميل إلى القرار السياسي أكثر منه قضائي / قانوني… أي أن هناك شُبهة حلول المحكمة الأوروبية محل مجلس الأمن الدولي.
لكن لا بد من إبداء ملاحظات مهمة لقراءة الصورة بشكل أوضح؛ أولاها أن قرار أكتوبر 2024 هو غير ذي موضوع، لأن اتفاقية الرباط / بروكسل انتهت سنة 2023. كما أن لاعبين أوروبيين أساسيين، سواء في المجلس أو المفوضية الأوروبية ولديهم ممثلين بالمحكمة الأوروبية، قد أعلنوا في وقت لاحق لتلك الدعوى وقبل صدور الحكم عن تأييدهم لمبادرة الحكم الذاتي وأنها السقف الوحيد للتفاوض؛ ونقصد، هنا، كل من فرنسا وإسبانيا..

أما الملاحظة المهمة الثانية فتكمن في أن قرار المحكمة الأوروبية جاء في زخم مفاوضات ومناقشات الأجندة الاستراتيجية الأوروبية في مجال الفلاحة، سواء 2019/2024 أو 2024 /2029؛ وهي النقاشات التي تساهم فيها بقوة نقابات الفلاحين والمزارعين والتي رفعت من سقف مطالبها بمساعدات وإعفاءات ضريبية وتحفيزات لمواجهة تداعيات التغييرات المناخية التي أثرت على المحاصيل الزراعية بعرقلة منتوجات بحرية وفلاحية من خارج الاتحاد الأوروبي بدعوى عدم تكافؤ فرص التنافس.وهكذا تتضمن أجندة لجنة الفلاحة بالاتحاد الأوروبي، مثلا، العديد من التوصيات؛ كتعقيد مساطر استيراد الكاكاو من الدول التي تلتهم الغابات أو تشغل الأطفال مع بداية يونيو 2025. وما دامت أربع دول إفريقية (كوت ديفوار، الكاميرون، نيجيريا وغانا) تنتج 75 في المائة من الإنتاج العالمي (7 ملايين طن) فإنه من الواضح أن تلك الدول الإفريقية هي المعنية بتلك التعقيدات الجديدة.

وهذا يعني، أيضا، أن تلك النقابات واللوبيات تفرض أجندتها على مهندسي السياسة الزراعية الأوروبية وقد يلجؤون في ذلك إلى الإضرابات وقطع الطريق باستعمال الجرارات وإتلاف الحليب والطماطم وغيرها في الشارع العام. لذلك، لا يمكننا إهمال هذه الفرضية ونحن نناقش محاولة جديدة لإقحام المغرب في ملف لا يعنيه ولم يشارك فيه.

أما سريالية قرار يوم 4 أكتوبر، فهو المحافظة على صلاحية الاتفاقية الخاصة بالمنتجات الزراعية لمدة سنة إضافية وليس إلغاءها بأثر فوري . إذا كان على جنرالات النظام الجزائري التزام الصمت وإلى الأبد بعد قراءة البلاغ المشترك لكل من رئيسة المفوضية أورسولا فان دير لاين ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل “إن الاتحاد الأوروبي في تعاون وثيق مع المغرب، ويعتزم بقوة الحفاظ على العلاقات الوثيقة معه ومواصلة تعزيزها في جميع مجالات الشراكة”.
نحن المغاربة، لا ننتظر دروسا في تاريخ وجغرافية المغرب.. لا من لوكسمبورغ أو من قصر المرادية أو من مخيمات تيندوف؛ لأننا في صحرائنا باقون. لذلك، فقرار محكمة العدل الأوروبية الأخير لا يعْنينا ولسنا طرفا فيه.

نحن المغاربة، نعي جيدا بأن المعركة ما زالت مستمرة وأنها تنتقل باستمرار بين ساحات متنوعة وبفاعلين ووكلاء في مجالات السياسة والإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وقاعات الاجتماعات وكواليس المحاكم.

وإذا كانت العادة أن نختار من الشِعْر بَيْتا، فإننا سنختار من الخطب الملكية خطاب المسيرة الخضراء لشهر نونبر 2015: “إننا نتكلم عن أبناء الصحراء الحقيقيين الوطنيين الصادقين الذين ظلوا أوفياء لروابط البيعة التي تجمعهم وأجدادهم عبر التاريخ بملوك المغرب… أما الذين انساقوا وراء أطروحات الأعداء ويروجون لها رغم قلتهم، فليس لهم مكان بيننا ومن تاب ورجع إلى الصواب، فإن الوطن غفور رحيم […] إن الشرعية الديمقراطية والشعبية التي حصل عليها المنتخبون تجعل منهم الممثلين الحقيقيين لسكان الأقاليم الجنوبية، سواء على مستوى المؤسسات الوطنية أو في علاقتهم بالمجتمع الدولي”..