هل كان ينبغي لهذا الدم الزكيّ أنْ ينزف لا على طريق لبنان وفلسطين بل جزافًا وهباءً، لكي تنكشف الحقائق على حقيقتها في بلادنا ومجمل الشرق الأوسط؟ هل كان ينبغي لهذه الأرض الأبيّة أنْ تُحرَق بالفوسفور، وأنْ يُهجَّر جبل عامل وأهلوه الأكرمون، لكي نصل إلى مأساةٍ جماعيّة وكيانيّة ووجوديّة، مفادها أنّ لبنان لم يعد يتحمّل، ولا يريد أنْ يظلّ يتحمّل، ولا نحن، الاستضاءة بشمس الحرب والإسناد والمشاغلة ووحدة الساحات والدمار والقتل والموت واللّادولة. الوضوح في المواطنة ليس خيانة. تقتضي الشجاعة الأدبيّة أنْ نمنع شمس الحرب من أنْ تظلّ تشرق على أرض لبنان ("على حَلّ شَعرها")، وغصبًا عن كلّ دستورٍ وحقٍّ وقانون، وبطريقةٍ همجيّة ومتمادية وفاحشة وفاسقة وماجنة وماحقة وما تحت واقعيّة وما فوق واقعيّة وتعمي وتبيد وليس من قوّةٍ تريد أنْ تضع حدًّا لعربدتها اللّامحتملة. الكلّ يتفرّج على المقتلتين الفلسطينيّة واللبنانيّة، ويشرف، ويستفيد. يجب إشهار مطلب وقف الحرب والنار. لم نعد نتحمّل شمسًا كهذه الشمس. ولا ضوءًا هاتكًا كهذا الضوء. ولا نهارًا مأتميّا كهذا النهار. ولا ليلًا قياميًّا كهذا الليل. وسحقًا لكَ أيّها العالم الوحش المنافق في الشرق والغرب، في الشمال والجنوب، وسحقًا لشمسكَ ، شمس الصفقة الكونيّة التي تطفئ كلّ حقّ. نريد أنْ نوقِف العمل بهذه الصفقة الكونيّة. فكُفَّ يديكَ أيّها العالم عنّا. وكُفَّ عن المزايدة. والتحايل. والتقيّة. والمكر. والتعاطف. والتباكي. والتشافق. والتكاذب. والمكابرة. والتبكيت المشين. والهرب إلى الأمام. والهرب إلى الوراء. ودفن الرؤوس في الرمال. والمقايضة. والمصافقة. وتصريف الأسلحة. وتغيير الخرائط. واستئصال الألق والطفولة والجمال والأمل والحلم والبهاء الأسمى. هذه البورصة القحباء، بورصة الحرب المجانيّة، نريد أنْ نغلق أبوابها، ونختمها بالشمع الأحمر. إننا نريد منع شمس الحرب من أنْ تشرق بعد الآن على أرض لبنان. وإيّاك، أيّها العالَم القوّاد، أنْ تفرك يديك، كتجّار الموت وغاسلي الأموال والجلاّدين. فنحن لا نريد مساعدات. ولا نريد أموالًا. ولا نريد وجبات طعام. ولا نريد أدويةً. ولا نريد مستوصفات. ولا نريد ملاجئ. ولا نريد مستشفيات. ولا نريد أمصالًا. ولا نريد زياراتٍ. ولا نريد خطبًا. ولا نريد مراثيَ. ولا نريد توابيت وأضرحة. ولا نريد ولا نريد ولا نريد... ولا خصوصًا نريد الموت تحت شمس الموت. نريد فقط أنْ نحيا. وأنْ نحيا باعتبار الحياة حقًّا. وبكرامة. وأنْ نموت باعتبار الموت استحقاقًا طبيعيًّا وعاديًّا. شمس الحرب، فلنحرقها "نحن" بأيّ طريقة، ولنطفئها بأيدينا، ولنهمدها، ولنهرق حليبها الجهنّميّ. حتّى آخر نقطة حليب. نريد فقط أنْ ننام، على طريقة النوم الطبيعيّ. تمامًا كما تنام وتحلم كلّ شجرة، ووردة، ونسمة هواء، وعصفور، وعشبة، وحجر، وقصيدة. ونريد أنْ نحيا. وأن نذهب إلى أشغالنا. وأنْ نؤوب إلى بيوتنا. وأنْ نربّي أطفالنا. وأنْ نعلّمهم الأنسنة والقيم والآدميّة والحقّ والحبّ والأمل والحرّيّة. وليفهم العالم كلّه أنّنا نريد بلادَنا أنْ تكون بلادَنا، لا منصّةً وساحة. ونريد أنفسنا أنْ نكون أنفسنا، لا حجارة شطرنج على طاولة أحد. أيّها العالم، لا نريد إسرائيل بيننا. ولا نريد إيران. ولا نريد سوريا. ولا نريد الولايات المتحدة. ولا الصين. ولا روسيا. ولا أوروبا. ولا نريد أحدًا أو جهةً البتّة. ومطلقًا. ولا ندم. من أجل مَن بقي. وما بقي. وقبل فوات الأوان: لا نريد إلّا نحن. لأنّه ليس لنا إلّا نحن. والدولة.
- آخر تحديث :
التعليقات