ثقة الإنسان بقدراته تتزايد غالباً مع الجهل أكثر من تزايدها مع المعرفة.

(شارلز دارون – 1871)

مع اندحار جيش صدام في حرب إخراجه من الكويت، وقعت أعداد كبيرة من أفراده في أسر القوات الأمريكية، وكان محزناً جداً رؤية الجندي العراقي يخر ساجداً على الأرض، ليقبل بسطار أو حذاء الجندي الأمريكي، شاكراً وقوعه في الأسر، وحدث ذلك أمام مختلف عدسات وكالات الأنباء والقنوات الفضائية، وبيّن ذلك حجم المأساة التي عاشتها وتعيشها أغلبية مجتمعاتنا، فوقوع الجندي في الأسر، أو هكذا يفترض، يعتبر بداية معاناته، ولكن في ذلك الوضع مثل وقوعهم في الأسر نهاية معاناته.

* * *

يرى عالم النفس الأمريكي الشهير أبراهام ماسلو (1908–1970) أن احترام أو تقدير الذات يأتي على رأس «التسلسل الهرمي» لاحتياجات الإنسان، بعد الاحتياجات الفسيولوجية والمأوى والعلاقات الشخصية.

وبالرغم من أن نظريته تعود إلى عام 1943، فإنها لا تزال صامدة، مع قليل من الانتقاد لها، وتناقش ترتيب حاجات الإنسان ووصف الدوافع التي تُحرّكه، والتي تتلخص في:

أولاً: الاحتياجات الفسيولوجية: مثل الطعام والنوم والجنس، التخلص من فضلات الجسم، والتنفس، وضبط التوازن.

والفرد الذي يعاني لفترة من عدم القدرة على إشباع حاجة فسيولوجية، فإننا نجده في المستقبل، عندما تزداد قدراته المادية، يُكثر منها لدرجة الإفراط في إشباع تلك الحاجات، مثل الفقير عندما يصبح غنياً، نجده يصرف الكثير على الأكل والشرب والزواج.

ثانياً: احتياجات الأمان، وتشمل: السلامة الجسدية من الاعتداء، الأمن الوظيفي (الدخل)، الأمن المعنوي والنفسي، الأمن الأسري، الأمن الصحي، وأمن الممتلكات الشخصية.

ثالثاً: الاحتياجات الاجتماعية، وتأتي بعد إشباع الحاجات الفسيولوجية والأمان، وتشمل: العلاقات العاطفية، العلاقات الأسرية، اكتساب الأصدقاء. والبشر عموماً يشعرون بالحاجة إلى الانتماء والقبول، سواء إلى مجموعة اجتماعية كبيرة، كالنوادي والجماعات الدينية، والمنظمات المهنية، والفرق الرياضية، أو الصلات الاجتماعية الصغيرة، كالأسرة والشركاء الحميميين، والمعلمين، والزملاء المقربين. كما هم بحاجة إلى الحب، الجنسي وغير الجنسي، من الآخرين، وفي غياب هذه العناصر، فإن الكثير من الناس يصبحون عرضة للقلق والعزلة الاجتماعية والاكتئاب.

رابعاً: الحاجة للتقدير، بالتركيز على حاجات الفرد في تحقيق المكانة الاجتماعية المرموقة والشعور باحترام الآخرين له، والإحساس بالثقة والقوة.

وأخيراً: الحاجة لتحقيق الذات، من خلال تعظيم استخدام قدراته ومهاراته الحالية والمحتملة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجازات.

من كل ذلك نرى مدى أهمية «احترام الذات Self Esteem»، ففقدان هذا العامل تنتج عنه شخصية ضعيفة سهلة الانقياد، لا تمتلك أي احترام لذاتها، ومثال ذلك ما شاهدناه من الفرقة العراقية التي وقعت في الأسر، خلال حرب تحرير الكويت، والتي بينت عمق درجة سحق الذات لديهم، وما تعرضوا له من سوء المعاملة من قياداتهم، حيث كان أغلبهم لا يعلم أين كان يحارب؟ ولماذا؟ فالشعوب المغلوبة على أمرها، المسلوبة الإرادة، والمسحوقة الكرامة، لا يمكن أن تخلق نصراً. لذا خسرنا كل حروبنا مع إسرائيل، وغطينا هزائمنا بتلفيق مختلف الأكاذيب عن الصهاينة مثلاً، وكيف أنهم يتصفون بالجبن والخسة، وكيف وجدناهم مقيدين بالسلاسل داخل دباباتهم المحترقة، لمنعهم من الهرب من المعركة (!!).

الخلاصة، شعب بلا حرية ولا كرامة لا يمكن أن يعطي وطنه شيئاً.


أحمد الصراف