طالما أعجبت بالفيلسوف وعالم الرياضيات البريطاني برتراند راسل، الحائز جائزة نوبل للآداب، عام 1950، كان دوماً من الشخصيات التي كنت أحلم بلقائها والتحدّث معها، لآرائه التي سبقت عصره بكثير، وانفتاحه المبكر على الإنسانية بأجمل صورها.

يعتبر المفكر راسل مؤسس الفلسفة التحليلية، التي لا أعرف عنها شيئاً، وأول مرة سمعت به، عندما قرأت عن البيان العالمي، الذي قام بتوقيعه مع العالم ألبرت آينشتاين عام 1955، والذي تضمن نداءً لقادة العالم لنزع الأسلحة النووية.

ولد راسل في ويلز عام 1872 لأسرة أرستقراطية ليبرالية، وأصبح جده اللورد جون راسل، رئيساً للوزراء مرتين، وتأثر كثيراً بإيمان والديه بالمبدأ الفلسفي اللاأدري، وكان ذلك يمثل ثورة في المعتقد في حينه، إضافة لإيمانهم بفكرة تحديد النسل.

تلقّى برتراند في البداية تعليمه الابتدائي في المنزل، وألمّ بلغات عالمية عدة، ثم نال منحة للالتحاق بكلية ترينيتي، كامبريدج، في 1890، لدراسة الرياضيات، وحاز المرتبة السابعة في جامعته، ثم وجّه اهتمامه للفلسفة. وأصدر كتابه المهم «مبادئ الرياضيات» في 1903، وبعدها بثلاثة عقود ذهب للعمل في أمريكا، لكنه طرد من جامعاتها المرموقة بسبب تطرّف وغرابة آرائه الدينية والفلسفية، وفي الأخلاق، ثم أصبح شخصية بريطانية مهمة بعد عودته لبريطانيا، خصوصاً بعد تقديم سلسلة محاضرات مع إذاعة البي بي سي، وأصبح يحظى باحترام وتقدير كبيرين، خاصة بعد مناهضته الحرب في فيتنام، وجهوده للحد من انتشار الأسلحة النووية.

تدور محاور فكر راسل حول المنطق ونظرية المعرفة، فضلاً عن الفلسفة التحليلية، وتُعرف مساهمته في الرياضيات والمنطق «بمفارقة راسل»، التي اكتشفها سنة 1901، أثناء كتابته «مبادئ الرياضيات»، وتبيّن المفارقة التناقض المتوافر في حالات معينة، ولا سيما البنى الرياضية التقليدية للمجموعات، والمثال الشهير الذي يوضح هذه المفارقة هو أن الحلاقين، الذين يقومون بحلاقة شعر أشخاص آخرين، عندما يحتاج أحدهم إلى حلاقة شعره، فإنه لا يستطيع القيام بذلك بنفسه!

تُوفّي راسل عن 92 عاماً، تاركاً وراءه أكثر من 70 مؤلفاً جاداً في الرياضيات والفلسفة، وأوصى بحرق رفاته بعد وفاته.

* * *

يتساءل راسل في إحدى أوراقه: هل الرياضيات نتاج العقل أم أنها لها واقع منفصل؟ كان راسل يعتقد أن الرياضيات والمنطق موجودان في خيالنا، وان الرياضيات والمنطق ينتميان إلى عالم الخيال، وليس إلى غبار وأوساخ العالم الحقيقي.

وقال أيضا إن الدقة الرياضية أشبه بحلم بشري، وليست صفة من صفات الواقع. وكان يعتقد أن الدقة أسطورة، ليس لها موطن على الأرض. وعلى الرغم من هذا، فإن الرياضيات لا تزال ضرورية للتطبيقات العملية، مثل بناء السفن الحربية، أو تطوير أصناف جديدة من القمح. وفي عالمنا تحتفظ الرياضيات بدقتها، ولكن في العالم الحقيقي، تكون أكثر بدائية.

لأسباب معروفة، لم يحظَ المفكر الكبير برتراند راسل بتقدير حقيقي في عالمنا العربي، الظالم والمظلوم، ولم يرد له ذكر في كل الكتب المدرسية، بالرغم من عظم تأثيره العلمي والفلسفي والرياضي. وقد ظلمنا أنفسنا بالفعل بتجاهله، وهذا ما فعلناه مع أغلبية المفكرين الكبار.

أحمد الصراف