ما أكثر ما تصادفنا الأسئلة التي تبدأ بمفردة «هل»، التي تصفها معاجم اللغة بأنها حرف استفهام لطلب التصديق الإيجابي، ويُجاب عنه ب «نعم» أو «لا»، وفي مكانٍ آخر وصفت بأنها «حرف استفهام يُسأل به عن مضمون الجملة وقد يراد بالاستفهام به النفي أو الأمر أو العرض»، ومن ذلك قول الآية القرانية الكريمة: «هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إلاَّ الإِحْسَانُ».وفي مكان ثالث نطالع الآتي: «كلمة «هل» هي أداة استفهام تستخدم للسؤال عن شيء ما، من الأصل الجذري «ه ل ل»، الذي يدل على البيان والظهور والغلبة».

وعن استخدامات «هل» في لغتنا العربية يرد أنها «للاستفهام عن الأشياء والأمور بطريقة إثبات أو نفي. وتأتي، عادة، في بداية الجملة الاستفهامية. كما أنها ترد في العديد من الشواهد القرآنية والأدبية كأداة استفهام شائعة الاستخدام، وتستخدم أيضاً للتعبير عن الشك أو التردد حول موضوع معين. وفي إيجاز نقول إن دلالات هل تتوزع على «الاستفهام»، «الشك أو عدم التأكد»، «الاستبعاد والنفي»، «التعجب والاستنكار».

الغاية هنا ليست درساً في اللغة، وإنما أتى الأمر تحت تأثير تكرار استخدام هذه المفردة التي بها تستهل عناوين العديد من التقارير الإخبارية في الصحف وعلى المواقع الإلكترونية، وسنعطي أمثلة على ذلك من عناوين وردت، يوم أمس، على أحد هذه المواقع: «هل تحسم أصوات العرب في ميشيغان سباق الانتخابات الأمريكية؟»، «هل تطيل إسرائيل أمد الحرب لتجنب حرب أهلية؟»، «هل أصبح الدولار الأمريكي في خطر بعد توقع «بريكس»؟».

«هل» الساحرة في مقدمة عناوين هذه الأخبار ستجذبك جذباً لقراءتها، لكن «هل» ليست يتيمة، فلها أخوات تفعل الفعل نفسه، ومثلها ترد في مفتتح عناوين الأخبار والتقارير، من قبيل: «ماذا تعرف عن»، كأن من صاغ العنوان يريد أن يوقعك في شك من أمرك، فهل ما تعرفه، مثلاً، عن حياة كامالا هاريس المرشحة للرئاسة الأمريكية كافٍ أم تحتاج إلى المزيد؟ والسؤال: «ماذا تعرف عن..؟»، يذكرنا بسؤال شاع في صحافة زمان كان يأتي في صيغة عنوان لزاوية ثابتة في المجلات والجرائد هو: «هل تعلم؟»، وتحته تنشر معلومات يفترض من اختارها للنشر أنها غير معروفة كفاية عند القراء، وأذكر أننا كنا نفعل الشيء نفسه في صحف الحائط التي أصدرناها عندما كنا تلاميذ في المدرسة، شعوراً منا بأن «هل تعلم؟» تنطوي على شيء من التحدي.

ل «هل» أخت أخرى، إن صح التأنيث هنا، هي علامة الاستفهام: «لماذا؟»، وبعيداً عن عناوين الأخبار، ألسنا مطوقين في الحياة ب«هل» و«لماذا» و«ماذا»، سعياً للتغلب على صور الحيرة التي تجابهنا ونحن محمولون، ولسنا مختارين، في الأغلب الأعم على متابعة ما يدور حولنا؟