لا يمر يوم على عالمنا من دون أن نسمع عن أزمة جديدة في قطاع الإعلام والمعلومات؛ وهو أمر قد يكون مفهوماً في ظل واقع تتصادم فيه الإرادات وتشتعل الحروب، وتنشب الانتفاضات والاحتجاجات، لكن ما يصعب فهمه، في هذا السياق، هو عجز هذا القطاع عن إيجاد وسائل فعالة للحد من تلك الهشاشة المتزايدة.

ثمة خمسة أسباب رئيسة تُعمّق هشاشة قطاع الإعلام والمعلومات العالمي، وتُلقي بأعباء ضخمة على الأطراف الفاعلة، التي ترغب في علاج تلك الهشاشة والحد من تأثيراتها الضارة.

أول هذه الأسباب يكمن في هيمنة عدد محدود من شركات التكنولوجيا وتطبيقات «التواصل الاجتماعي» على الفضاء الاتصالي الراهن، وحيازتها القدر الأكبر من التفاعلات والإفادات ذات الصلة بالاهتمامات العمومية للجمهور العالمي.

إن هذه الشركات تهدف إلى الربح، الذي تُحقق مئات المليارات منه سنوياً بشغف ونهم شديدين، وتقوم عليها إدارات بعضها ليس فوق مستوى الشبهات، وقد خضع عدد منهم لتحقيقات جدية في أكثر من نظام قضائي. وبعض ما تفعله هذه الشركات، ويثير الانتقادات والشكاوى، يتعلق بالميل إلى زيادة التفاعلات لضمان حصد الأرباح على حساب معايير الاستخدام، وبعضها الآخر يتصل بسياساتها الانتقائية، التي تحركها دوافع تجارية وسياسية.

وثاني الأسباب يتمحور حول التدخلات الخشنة لبعض الحكومات للحد من «انفلاتات» مفترضة في الفضاء الاتصالي، وهي تدخلات لا تسلم من الانتقاد والتشكيك؛ خصوصاً عندما تتسم بالجور على حرية الرأي والتعبير، وتسعى إلى تحقيق أهداف سياسية، وليس إلى تكريس معايير أو الدفاع عن قيم وحقوق مُتفق عليها.

وأما ثالث هذه الأسباب، التي عمّقت هشاشة النظام الإعلامي والمعلوماتي العالمي، فليس سوى عجز هذا النظام عن إيجاد حلول فعالة لمشكلة التزييف والتضليل، وعجزه عن الحد من تأثيرات المبتكرات التكنولوجية، التي رفدت المجال الاتصالي بفرص واسعة لانتشار المعلومات الخاطئة والتلاعب بالرأي العام.

ويتصل السبب الرابع لهذه الهشاشة المتزايدة بارتهان النظام المعلوماتي العالمي للمستحدثات التكنولوجية، التي أضحت تتحكم في مناحي حياتنا باطراد، من دون القدرة على الحد من اختراقها، والتلاعب بها أو تعطيلها، بحيث تبقى دائماً مُعرضة للعطب، الذي يمتد إلى جوانب الحياة الحيوية.

ويكمن السبب الخامس في المعضلات التي تواجه هذا النظام لجهة طبيعة عملية التلقي والتفاعل ذاتها؛ إذ يتسم هذا النظام بسمات فريدة مقارنة بما حدث على مدى عقود طويلة خلت؛ ومنها تحول المتلقّين إلى قائمين بالاتصال في عديد الأحيان، والقدرة غير المحدودة على التخفي، وبث المعلومات والأفكار والإفادات من دون إلزام بالإفصاح عن الهوية، والقابلية الكبيرة للتلاعب الفردي والمؤسسي في نطاقات التفاعل. في الشهر الماضي ظهرت إشارات واضحة إلى تفاقم هشاشة النظام المعلوماتي العالمي؛ حيث سمعنا عن غرامة جزافية فرضتها موسكو على شركة «غوغل» بسبب «منع القنوات التي تعبّر عن الرؤى الروسية» على وسيطها الرائج «يوتيوب»؛ وهي غرامة بلغت 20 ديسيليون دولار أميركي (مبلغ فلكي عبارة عن رقم 2 وإلى جانبه 34 صفراً).

يشير هذا الإجراء الخشن، رغم رمزيته، إلى مشكلة الاحتكار المعلوماتي، التي تتجسد في قدرة مشغّلي شركات «التواصل الاجتماعي» على التحكم في مسار التفاعلات عبرها، من خلال المنع والتقييد، أو الإتاحة والترويج، لأسباب سياسية.

كذلك تردّدت الأنباء عن قرار اتخذته حكومة «طالبان» في أفغانستان بمنع ظهور صور «الكائنات الحية» على الوسائط، ليتوّج جملة من القرارات الشاذة والغريبة، التي تجدها الحركة وسيلة نافعة لإنفاذ رؤيتها لما يجب أن يكون عليه المجال الإعلامي في البلاد.

وفي تونس، ثارت الانتقادات بسبب قرارات توقيف لخمسة من «صُناع المحتوى» و«مؤثرة» على أحد الوسائط، بسبب «تعارض ما يقدمونه مع الآداب العامة»، في وقت انتشرت مطالبات على وسائط «التواصل الاجتماعي» في الأردن بضرورة إجراء مراجعة لقانون «الجرائم الإلكترونية»، الذي تم سنّه أخيراً، وعدّه البعض «جوراً على حرية الرأي والتعبير».

ليس هذا فقط، لكننا نتذكّر أيضاً كيف شلّت الحركة في كثير من المطارات والمؤسسات الحيوية العالمية في شهر يوليو (تموز) الفائت، عندما وقع خلل تقني أربك العالم، وسبّب أضراراً كبيرة. يعتقد البعض أن أزمة الأخبار الزائفة تمثل العقبة الكبرى أمام تطوير النظام المعلوماتي والإعلامي العالمي، ويرى آخرون أن التطوّرات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي يجب أن تحظى بجل الاهتمام، بسبب ما تُنذر به من مخاطر فائقة، في ظل الاستخدامات المُسيئة والمُغرضة لمُمكناته الضخمة، لكن الإشكال يبدو أوسع من ذلك... وأفدح أثراً بكل تأكيد.