ما إن أنهى مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي، كلامه عن “البطولات” والانتصارات”، حتى أطلّ القائد العام ل”الحرس الثوري الإيراني” اللواء حسين سلامي ليتلو علينا، بدوره، السردية نفسها، ولكن بعنجهية، لا بد من الاعتراف، بأنّها غابت عن أدبيات “المرشد” الذي بات يأخذ في الاعتبار إمكان عدم تنفيذ الهجوم “الثالث” على إسرائيل، لأنّ فيه” غرائزية” حذر من تداعياتها على إيران مستشاره علي لاريجاني.

سلامي لم يكن بحاجة الى أخذ “الحيطة والحذر”، لأنّه ينتظر اللحظة المناسبة لتوجيه الضربة القاصية لوجود إسرائيل. وضع خارطة الطريق لذلك: تدمير موانئ الكيان الصهيوني على البحر الأبيض المتوسط!

كيف ذلك؟

بسيطة. 98 بالمائة من اقتصاد إسرائيل، وفق سلامي، يعتمد على البحر. يكفي أن يتم تدمير موانئه على البحر الأبيض المتوسط، وتحويله الى منطقة غير آمنة، حتى تتم الإطاحة بإسرائيل.

و”هيك منكون خلصنا”!

عظيم، ما الذي ينتظره “الحرس الثوري الإيراني”، والحالة هذه، ليخلّصنا من إسرائيل؟

في الواقع هو ينتظر مسألة بسيطة للغاية، وهي أن ترفع الولايات المتحدة الأميركية يدها عن إسرائيل، وحينها يتم القضاء عليها.

بالنسبة لسلامي، هذه الخطوة الأميركية، تحصيل حاصل، لأنه طالما تخلت “أمريكا” عن القوى التي تدعمها. لديه أمثلة لا تُحصى ولا تعد. صحيح أنه لا يذكرها، ولكنها متوافرة. في عقول مستمعيه، أحدث تجربة هي أفغانستان. بطبيعة الحال، هو لا يذكر هذا النموذج الجيو سياسي، حتى لا يُتعب نفسه في “شد الشعر” لجسر الهوة الهائلة بين نموذجين لا يشبهان بعضهما البعض بشيء، ولكن يكفيه أن يتكئ على “وهرته” حتى يحوّل اللامنطق الى تهديد كوني!

وفي انتظار تلك الساعة “الخلاصية”، سلامي مرتاح الى ما تحققه “جبهة المقاومة” في غزة ولبنان. غزة، بالنسبة له، هي التي أسقطت الحزب الديموقراطي الأميركي وكامالا هاريس. غزة عاقبت الإدارة الأميركية الحالية. عاقبتها لدرجة أنها أتت بدونالد ترامب لا غير. عاقبت هاريس لتأتي بقاتل قاسم سليماني وواضع “الحرس الثوري الإيراني” في قوائم الإرهاب وناقل السفارة الأميركية الى القدس، والمعترف بإسرائيلية الجولان السوري المحتل.

ما هذه الرؤية الثاقبة؟ ما هذا التحليل الذي لا يخل؟ ما هذه الإحتفالية المميّزة؟

وصاحب هذا المنطق المتكامل والرايع وغير المسبوق نفسه، يرى “حزب الله” منتصرا على إسرائيل التي عجزت عن القيام بأي شيء نوعي ضده في لبنان، والقاصرة عن الدخول الى أي منطقة في الجنوب. وهو، يرى الأمر نفسه بالنسبة لحماس في غزة!

فعلًا، فما قامت به إسرائيل ضد “حزب الله” وبنيته الفوقية والتحتية، “لعبة ولاد صغار”، تأنف كبرياء “الحرس الثوري” على القيام بالقليل منه ضد إسرائيل!

وتأسيسا على هذه الرؤية، يجد سلامي أنّ إيران المنهارة إقتصاديًا، والخائفة من جرها الى الصراع المباشر، والتي تصارع لوقف الإنهيارات المتلاحقة في عملتها الوطنية، واللاهثة وراء جذب الإستثمارات، والخائفة من شعر امرأة، ومن موقف يمكن أن يطلقه الحكماء القابعون منذ سنوات طويلة في إقامة جبرية، (يراها) “عظيمة ولا تقهر، ولا يمكن لأحد أن يهزم إيران، حتى لو كان العالم كله”، ولكنه في المقابل، يرى أن واقع إسرائيل كالآتي: “جيش متعب مع مسؤولين مكتئبين واقتصاد متداع وتدير الولايات المتحدة كل شيء”.

معه حق سلامي، فمن كثرة ما هي إسرائيل متداعية، تلهث الى وقف إطلاق النار، ولكنّ أحدًا لا يرد عليها. بالفعل، كيف يمكن أن يحصل ذلك، وسلامي، بقامته وسلامته، وراء جميع هؤلاء السعداء بانتصاراتهم النوعية على إسرائيل وجيشها؟!

كنّا نسأل عن مصدر “الجنون” في منطقتنا. حسين سلامي قدّم لنا الجواب!