ضياء رشوان

في 13 أكتوبر الماضي، أرسل وزيرا الخارجية والدفاع الامريكيين، رسالة إلى وزيري الدفاع والشؤون الاستراتيجية الإسرائيليين، طالبا فيها حكومتهما بتحسين الظروف الإنسانية في غزة خلال 30 يوماً أو المخاطرة بتأثر إمدادات الأسلحة الأمريكية لإسرائيل.

وأشارت الرسالة إلى ما ترتب على أوامر الإخلاء الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة، من مخاطر صحية مميتة عليهم، وأبدت القلق بشكل خاص من «أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية».

وخصوصاً «منع أو إعاقة ما يقرب من 90 في المئة من التحركات الإنسانية بين شمال وجنوب غزة»، وغيرها، قد أدت إلى «تسريع تدهور الأوضاع في غزة».

وطلبت الرسالة من إسرائيل خلال المدة المذكورة أن تعمل «على اتخاذ سلسلة من التدابير الملموسة لتعزيز إمدادات المساعدات»، مؤكدةً أن الفشل في هذا قد «تكون له آثار على سياسة الولايات المتحدة».

مستشهدة ببعض القوانين الأمريكية التي يمكن أن تحظر تقديم المساعدات العسكرية للدول التي تعيق إيصال المساعدات الإنسانية الأمريكية، مطالبة إسرائيل بالعمل الجاد على «زيادة كل أشكال المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء غزة» قبل حلول فصل الشتاء.

وكذلك إنهاء «عزلة شمال غزة»، من خلال إعادة التأكيد الإسرائيلي على أنه «لن تكون هناك سياسة إخلاء قسري للمدنيين من شمال القطاع إلى جنوبه».

وخلال ساعات قليلة تنتهي مدة شهر المهلة التي أعطتها الرسالة للحكومة الإسرائيلية، وهو ما يتصادف مع اكتساح الرئيس دونالد ترامب وحزبه الجمهوري كل سلطات الدولة في الانتخابات الأخيرة.

وهنا يطرح معظم المحللين السؤال المنطقي حول مدى قدرة أو رغبة إدارة الرئيس بايدن المنتهية في 20 يناير القادم، على إنفاذ «تهديدها» لحكومة نتانياهو.

والحقيقة أن مساحة مناورات الرفض الواسعة التي أدارها رئيس وزراء إسرائيل مع هذه الإدارة، وقدر «التجاوزات» التي مارسها ضدها منذ بدء الحرب في غزة ثم في لبنان، يبدو كافياً لأن تتخذ هذه الإدارة من القرارات، ما يحفظ لها من ناحية ما تبقى من هيبة لواشنطن في علاقتها بتل أبيب.

وما يعيد لو بعضاً قليلاً مما أضاعه الدعم الأمريكي المطلق للحروب الإسرائيلية من سمعة الولايات المتحدة كأكبر بلد في العالم داعم للحريات وحقوق الإنسان.

والأكثر ترجيحاً حتى الآن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لن يقدم لإدارة بايدن ما قد ترغب في الحصول عليه من هذا «الإنذار» ويحقق لها الهدفين السابقين، اعتماداً منه على ما يعلن عنه دوماً من علاقات وطيدة للغاية تربطه شخصياً وبلده بالرئيس المنتخب ترامب.

في ظل هذا، فالأرجح أيضاً هو أن تقدم إدارة بايدن على خطوتين في الأيام السبعين المتبقية لها في الحكم: الأولى، أن تفرض حظراً مشروطاً، على بعض أنواع وشحنات السلاح إلى إسرائيل.

وتتعلق الخطوة الثانية بقيام واشنطن في جلسة قادمة قريبة لمجلس الأمن الدولي بخصوص الحرب في لبنان، بتأييد أو الامتناع عن استخدام حق النقض مشروع لقرار يلزم إسرائيل بالموافقة على اتفاق لوقف الحرب هناك.

وتقوم هذه التوقعات لسلوك إدارة بايدن في أسابيعها الأخيرة على سوابق حدثت بالفعل في العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية. ففي عام 1982، فرض الرئيس رونالد ريغان (الجمهوري) حظراً على مبيعات الأسلحة العنقودية إلى إسرائيل.

وذلك بعد أن انتهى تحقيق أجراه الكونغرس إلى استخدامها هذه الأسلحة في مناطق مأهولة بالسكان، خلال غزوها لبنان في نفس العام. وفي عهد الرئيس جورج بوش الابن (الجمهوري)، خضعت نفس الأسلحة للإيقاف والمراجعة من إدارته، بسبب ما تم تداوله من استخدام إسرائيل لها في حربها على لبنان أيضاً عام 2006.

وفي ديسمبر 2016، أقدم الرئيس باراك أوباما (ديمقراطي) على امتناع بلاده عن التصويت في مجلس الأمن على مشروع القرار رقم 2334، الذي طالب فيه إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

وعدم شرعية المستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة منذ عام 1967، ورافضاً الاعتراف بأي تغييرات في خطوط الرابع من يونيو 1967، عدا تلك التي يتفق عليها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي من خلال المفاوضات.

فهل تفعلها إدارة بايدن كما فعلها هؤلاء الرؤساء الأمريكيون من قبل؟ الإجابة غالباً خلال ساعات.

باحث وكاتب والرئيس الفخري لاتحاد الصحفيين العرب