يبدو أنّ الجميع يقرأ الآن في كتابٍ واحد. كلُّ الجهات السياسيّة في لبنان فتحَت الكتاب نفسَه، وبدَأت القراءةَ فيه. الكاتب معروف لدى الجميع. المكتوب لا يُشبه الطلاسم. واضحٌ هو كلّ الوضوح. الوضع في إسرائيل ليس أفضل من ذلك. هُم أيضاً يقرأون في الكتاب نفسِه. هناك اختلافان فقط بين اللبنانيّين في القراءة. طرفٌ يقرأ ويفهم ويقول ماذا وجدَ بين دفّتي الكتاب. وطرفٌ يقرأ ويفهم ويُعلن ما ورد في الكتاب لكن على طريقتِه. النص واضحٌ في غموضه. لم يكن غامضاً عبَثاً. الهدف منه واضح ولا مجال لتغييره. الآليّة يبقى فيها شيءٌ من الغموض، لذا يُمكن أن تتعدّل.

شيءٌ ما تغيّر في لبنان. لا أُريد أن أُوصّفه. لا أحد يدري الآن عُمقَ وبُعدَ ما تغيّر. الّذين كتبوا النص يُدركون كلّ شيء، والّذين وافقوا في لبنان يعلمون كلّ شيء أيضاً. النتائج تظهرُ تباعاً. نحنُ نتلهّى بوقف النار والخروقات والانسحابات من الجنوب وإلى ما وراء الّليطاني شمالاً.

لكن المكتوب يشمل وضع رئاسة الجمهوريّة وشكل الحكومة العتيدة وناسها، والسلاح، وليس غريباً في روحه عمّا يحصل في سوريّا، وما قد يحصل. ما وردَ في النُسخة المُعلنة هو جزءٌ من كلٍّ. الكبار وافقوا على الجزء وعلى الكل. نحنُ نُشبه ذلك الصبي الذي سأل والدتَه يوماً: "ماما كيف بيجي الولد". شرَحت له الأمُّ على مدى نصف ساعة "كِيف بيِجي الولد". هو لم يفهم شيئاً. لكنّه في قرارة نفسه شعرَ أنّ القصّة جدّيةٌ أكثر من قصّة الطفل الذّي يولدُ في "الملفوفة". برهَنت له الأيّام أنّ القصّة كبيرة كحكاية الكون الكبير. هكذا نحن.

ستمرُّ أعوامٌ قبل أن نُدرك ما تغيّر في كونِنا الّذي عشنا فيه منذ الطائف. وضعُ لبنان في السياسة والأمن والعسكر والسلطة والسيادة والاقتصاد مكتوبٌ في النص. ما ليس مكتوباً هو أيضاً موحى به. "يلّلي بيقرا المِمحي" يعرف هذا الأمر. الّذين يعرفون بكلّ شيء حول "الترتيبات" قليلون. هُم الّذين اجتمعوا بهوكشتاين.

لا أعرف إن كان المبعوث الأميركي قد أخبر كلّ الّذين اجتمع بهم كلّ شيء وبالطريقة نفسها، وبالمقدار نفسه. أعرف أنّ بعضهَم يعرف كلّ شيء وهذا البعضُ متوجّس. الّذي يهمّني هو أن نُدرك كلبنانيّين أنّنا في كلّ مرّة تخلَّفنا عن اتّخاذ قرارات تحمي بلدنا وتصون الوحدة الوطنيّة جاء أحدٌ ما، من مكانٍ ما، يُمثّل جهةً ما، وأخذ القرارات الصعبة عنّا، تلك القرارات الّتي قد لا تحمي وحدتَنا، ولا تحفظ سيادتنا، ولا تحمي بلدَنا، لكن لعلّها تحفظ لبنانَنا من طيشِنا واستخفافنا بوحدتنا، ورغبتِنا في الفوز وحدَنا من دون سائر الّلبنانيّين. من لا يُصدّقني ليراجعِ التاريخ منذ مايتي عام وحتّى اليوم.