منذ بواكيرها والكويت تهتم بما يوقفه المحسنون لعمل الخير، إضافة إلى رعاية شؤون القصّر، وتنمية ثرواتهم. ومنذ قيام الوزارات، مع الستينيات، أصبحت هذه الأمور من اختصاص وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ثم لينفصل الوقف عن الوزارة عام 1993، ويصبح هيئة مستقلة، ولتسلّم «كيكتها» لمن مثّل الإخوان أغلب الأحيان. وكانت الوزارة والهيئة، طوال تاريخهما، موضوع شبهات مخالفات وتجاوزات، لإحساس بعض من أداروهما، أنها أموال لا راعي واضحاً ومعروفاً لها.

من المهام الرئيسية للوقف ورعاية الأيتام استثمار ما تحت أيديهم من أموال بطريقة محترفة. وتاريخياً أدار هذه الأموال إما رجال دين، أو أصحاب سمعة طيبة، لكنهم، في أغلبية الأحوال ـ إن لم يكن كلها ـ لم يكونوا أصحاب اختصاص. وسبق أن طالبت، عبر مقالات عدة، بضرورة تكليف أو توظيف خبراء استثمار لإدارة تلك الثروات، لما لهم من دراية وقدرة أفضل من غيرهم، بصرف النظر عن مذاهبهم أو انتماءاتهم الحزبية الدينية، لكن كان من الطبيعي رفض مثل هذه المقترحات العقلانية، فمن يقبل بالتخلي عن دجاجة تبيض ألماساً؟ لذلك كانت وظائف هذه الجهات دائماً للمنتمين للأحزاب الدينية، ومن ينتمي لخطهم السياسي، وكانت النتيجة، في الغالب، غير سارّة. وأتذكّر جيداً الفضيحة التي طالت أحد أمناء الوقف، وكان من المحسوبين على الإخوان، عندما قرّر، بحكم منصبه الرفيع في أمانة الوقف، تغطية العيوب الصارخة في مبنى تابع للوقف، من خلال تكسيته بألواح «الألكا بوند» المكلفة، لوقف تساقط قطع الرخام الكبيرة من الواجهات الضخمة، وبعد الانتهاء من المشروع، تبيّن أن «الأخ المسلم» هفّ مبلغاً يزيد على المليون دينار، عمولة، لنفسه، وعندما انكشف أمره، هرب للخارج، وبقي هناك، إلى أن هدأت الضجة، فالأوقاف، و«لأسباب معروفة»، لم تحرّك أية دعوى جزائية بحقه، ولكن سمعته تلطخت، ولم يعد لتولي أي منصب تالياً، بالرغم من المستقبل السياسي الجيد الذي كان ينتظره، لولا دناءة النفس. وبالأمس وردت أنباء بأن ذلك المبنى الضخم سيتم هدمه، لأنه كان سيئاً، منذ اليوم الأول، تصميماً وتنفيذاً وإدارة.

كما ورد في الصحف ـ وأخيراً ــ أن الحكومة تفكّر جدياً في نقل أصول الهيئة العامة للقصّر والأمانة العامة للأوقاف إلى الهيئة العامة للاستثمار، لكي تُسند مهمة إدارتها إلى مديري محافظ «محترفين»، وهو الذي كثيراً ما طالبنا به، على مدى عقدين. لكن جهات معروفة الاتجاه أبدت معارضتها، بحجة أن أموال الوقف والقصّر تستثمر حالياً وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وتشرف لجان شرعية عليها، وكيف أن هذا الشرط غير موجود في هيئة الاستثمار أو المحافظ الخاصة، التي تستثمر في جهات أخرى.

عقود عدة مرت، ومخالفات تمت، ولم يرفع أحد صوته بالاحتجاج، غيرنا، وعندما فكّرت جهة ما بنقل الدجاجة، التي تبيض الذهب أو الألماس، إلى جهة أكثر احترافاً، ارتفعت الأصوات منددة.

إن حرمة أموال الأيتام والقصّر هي كحرمة الأموال العامة، وليست أكثر عفة وطهارة منها، وبالتالي التحجج بأمور واهية، كضرورة وجود هيئة شرعية، وغير ذلك، لا يستقيم مع المنطق والعقل، علماً بأن وجود الهيئات الشرعية لم يمنع التجاوزات في أية جهة حكومية أو شركة مساهمة، إسلامية، والأمثلة أكثر من أن تعد!

لقد أثبتت التجارب أن الشخص المشرف على أموال الدولة، والمؤتمن عليها، بكل أنواعها، هو صمام الأمان، وليس النصوص واللجان. وإن كان لا بد من وجود من ينصح ويرشد، شرعياً، في أمور صرف أموال الوقف والقصّر، فلا شيء يمنع من وجود شخصين أو أكثر كاستشاريين شرعيين، لمثل هذه الأمور.


أحمد الصراف