لم يسبق أن تناولتُ الرياضة في بلادنا؛ ذلك أنّ الكتابة في هذا الفن له أربابه، والمتقنون له؛ إلا أنّ استضافة المملكة العربية السعودية لكأس العالم 2034 أوجدت رغبةً مُلحةً بل جامحة تدفعني للكتابة وبث مشاعري لهذا الحدث الكبير. في نهاية الثمانينات من القرن الماضي؛ كُنت أذهب لِمامًا مع أخي اللواء محمد -الذي يكبرني قليلاً- إلى ملعب الصايغ بحي الملز بمدينة الرياض. كانت مُدرجاته من الحجر، وبعضها من الخشب، غيرَ مُضاء، وغير مزروع، ينبعثُ من جنباته الغبار، وغير صالح لمزاولة الرياضة البتّة، مُحاطٌ بسورٍ من الطوبِ الأسود، وأبوابه من الصفيح، في جانبيه؛ نافذتان لبيعِ التذاكر، بدراهمَ معدودة. وبظني أنّ لا غرف فيه لتبديل الملابس، ولا سيارات لإسعاف اللاعبين، ويفتقد إلى أدنى متطلبات رياضة كرة القدم؛ إلا أنّه كانَ يفي ببعضِ الحاجة في وقته. كُنّا نسكنُ في حي المرقب؛ الذي يبعد عن الملعب قرابةَ العشرة كيلو مترات، كان الطريق إليه غيرَ مُعبّدٍ في مُعظم أجزائه. أُقيمت أولى مبارياته في العام 1378هـ، وأُقيم عليه كأس الملك سعود -رحمه الله- في العام 1381هـ. وفي العام 1971م -1391هـ؛ حينما اُفتتح استاد الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- في الملز؛ كانَ نقلةً عظيمة. لم يكن يُتصوّرُ أن يُرى ملعبٌ مُضاءٌ ومزروعٌ وله منافذ بيعٍ عديدة. فَرِحَ به مُحبّو هذه الرياضة وعاشقو الكرة المستديرة.. في يومِ الأربعاء 11 ديسمبر 2024م؛ يُعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) استضافة المملكة العربية السعودية لبطولة كأس العالم للعام 2034م، كأول دولة تستضيف البطولة منفردة بمشاركة 48 منتخباً؛ أليسَ هذا حلم، أليس هذا يتجاوز التخيّل والتصوّر مهما بلغ المرء في تخيّله أو تصوّره. وعلى القارئ أن يتخيّل ما بينَ الحقبتين: الثمانينات في العام الماضي وما نعايشه اليوم في العام 1446هـ-2024م؛ حيثُ الفارق بين الحقبتين 68 عامًا، وما حدثَ بين تلكم الحقبتين من تطورٍ في مجالِ الرياضة، وما سيكون -بإذن الله- وما هو مُخططٌ له بالعام 2034، عام انطلاق بطولة كأس العالم؛ مدى القفزات الهائلة للتطوّر الرياضيَ، وخاصةً في كرم القدم، و68 عامًا لا تقاس في عمر الأمم أو الشعوب، ولكنها عزيمة الرجال وحزم القادة وطموح يسابق الريح. فعلاً كما قال وزير الرياضة، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز الفيصل: "حينما أكون مُتعبًا مُنهكًا؛ أذهب لصاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد مملكتنا، رئيس مجلس وزرائها، فأخرج منه وقد شحنت البطاريّة". نعم، قال فصدق، ولي العهد، صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان، شاحن البطاريات، ورافع الهمم، يُقوّي العزائم، وبه تُشدُّ الأظهر. هكذا هم القادة التاريخيون، وهكذا هم من يقولون فيفعلون. وهكذا، كما قال -يحفظه الله-: "نحن لا نحلم، نحن نُفكّر في واقعٍ يتحقق". من عاشَ حُقب كحقبٍ عشناها، وشاهدناها -على عظمها في وقتها-؛ لم يكن يحلم أو يتصوّر أو يتخيّل ما آلت إليه الرياضة في بلادنا بهذا الشكل المُذهل. يحصد الملف المُقدّم للفيفا لاستضافة كأس العالم 419 نقطة من 500. يحتوي الملف على 15 ملعبًا؛ منها 11 ملعبًا جديدًا في خمسة مدن سعودية (الرياض وجدة والخبر وأبها، ونيوم)؛ تتسع في مجملها لـ 772 ألف متفرج. إذًا؛ هذه رياضتنا، وِفقَ رؤيتنا الوطنية المُباركة 2030، هذه الأفكار المُبدعة التي تُحقق الأحلام لم تأتِ إلا بفكرٍ مُتّقد وبعملٍ لا يعرف الكلل. فبورك لنا في قيادةٍ هكذا عملها وحلمها، بورك لنا في ملكنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بورك لنا بمهندس رؤيتنا المبدع المفكر المُلهِم، شاحن الهمم والنفوس؛ لتعمل وتحقق الأحلام.