رشاد أبو داود

في العالم ثمة كثير من الغذاء يكفي الكل، لكن «لم يعد حب يكفي». تلك جملة من أغنية كانت رائجة في العالم للمغني البريطاني توم جونز، أو السيناتور جونز أوائل السبعينات من القرن الماضي. المولود العام 1940 لأب عامل مناجم وأم ريفية وتوفي العام 1982 أمضى 55 عاماً منها في غناء متميز منحاز للإنسان في كل مكان.

تذكرت توم جونز وأنا أشهد هذه الحروب المجنونة في العالم وبخاصة منطقتنا العربية. لكن الحروب لا تصيب بلاداً معينة في الوقت نفسه، بل تنتقل من منطقة إلى أخرى وفي مراحل مختلفة. ففي القرون الوسطى كانت تستوطن أوروبا الأنجلوساكسونية وتقتل الملايين من البشر بشراسة من دون أسباب عقلانية. إنما لأسباب دينية أو لأطماع إمبراطورية واحتلال أراضي الغير.

بعدها انتقلت آلة الحروب إلى أفريقيا، حروب المستعمرين وحروب الدول الأفريقية في ما بينها وفيما بين القبائل في الدولة الواحدة. وشملت الكونغو، إثيوبيا، السودان، النيجر، وأغلب دول القارة الحارة السمراء.

ثنائية الحرب والحب، الطمع والقناعة، القاتل والضحية وجدت منذ وجد قابيل وهابيل.

الشر دائماً لا يرتاح إلا عندما يشعل الحرائق، والخير لا يهدأ إلا عندما يطفئها.

وما يسري على الدول يسري على البشر. إذ ثمة الطمع والحسد، الأنانية والعطاء، و.. الحب والحقد.

حكاية امرأة سوداء تلخص الوضع. تقول الحكاية إن تلك المرأة لم تكن جميلة. ينفر منها الرجال وبلغت الأربعين دون أن تتزوج. زارتها جارتها وعرضت عليها الزواج من مقاول أرمل ولديه أربعة أطفال بشرط أن تخدمهم، وألا يكون لها طلبات كزوجة فوافقت وتزوجته. مرت سنوات وهي ترعى الأولاد وتعاملهم كما لو أنهم أولادها. غمرتهم بحنانها حتى أصبحت لهم أماً يحبونها ويحترمونها.

مع الوقت ومن خلال العشرة وحب الأولاد لها بدأ الرجل يحبها ويعاملها كزوجة.

ذات يوم دخلت تلك المرأة إلى مكتب محاماة. وما أن دخلت حتى بدأ الرجال المنتظرون عند السكرتيرة بالخروج فور رؤيتهم لها ولم يبقَ سوى السكرتيرة. حكت لها قصتها وقالت: لقد مات زوجي وكتب لي عقارات تقدر بملايين الدولارات، ولم يعترض أولاده. لكني أريد أن أعيد إليهم أملاكهم وأخرجت الأوراق والمستندات التي تثبت صحة كلامها. صُدمت السكرتيرة وصمتت. بلعت ريقها وقالت للمرأة التي كانت تشمئز منها بعد أن لامست قلبها: أليس من الأفضل أن تبقي لك بيتاً تحسباً للزمن؟ أجابتها: يكفيني حب الأولاد لي. لقد رزقني الله الحب بعد الجفاف وسوف يرزقني مع الحب كل شيء.

نعلم أن السياسة هي التي تقرر خوض الحرب، وهي التي تقرر وقف جنازير الدبابات وهدير الطائرات وقتل البشر وحرق الشجر وتدمير الحجر. لكن يعلمنا التاريخ أيضاً ألا حرب بلا نهاية، فالخاسر هو الإنسان على هذه الأرض ومن أصبح بفعل الحروب تحت الأرض. فكم من إمبراطوريات سادت ثم بادت. وخطوط حدود تغيرت ومسحت ودول كانت ثم ماتت.

في العالم أسلحة تقليدية وذكية لكن كلها غبية. وأراضٍ شاسعة تُزرع بالغذاء لا القنابل والصواريخ والمسيرات والمتفجرات.

لكن كما غنى توم جونز «يبدو أنه لم يعد حب يكفي»!