مناقشة نواب مجلس العموم البريطاني عريضتين تتعلقان بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني يوم الاثنين، أعادت طرح الجدل في ندوة مغلقة لمجموعة دراسات السلام، حول الوسائل الأكثر فاعلية لتحقيق الأهداف، في مراحل سعي جماعات وشعوب (كالفلسطينيين في هذه الحالة) لحصولهم على حقوقهم المشروعة في ظروف صعبة.

فلأكثر من عام، تتظاهر الجماعات المؤيدة للفلسطينيين في بريطانيا أسبوعياً تقريباً، وبدورها تثير كثيرًا من ردود الفعل بين مؤيد ومعارض، وتقابلها تظاهرات ومسيرات، بعضها يدعم السياسات الإسرائيلية، وبعضها (خاصة من جماعات اليمين) يحتج أصلاً على استمرار مظاهرات الجانبين، باعتبارها قضية خارجية، وترهق ميزانية البوليس والبلديات. مظاهرات 13 شهراً يقابلها تناقص في التأييد بوسائل التأثير على الرأي العام، وفي تيارات الوسط في بريطانيا. فهناك عدم وضوح في المطالب الأساسية، بسبب انضمام جماعات بأهداف ومطالب مختلفة. وحول بعض الجماعات علامات استفهام، بجانب اشتراك محترفي التظاهرات والاحتجاجات ونشطاء في قضايا لا علاقة لها بفلسطين أو إسرائيل، كما أن عدداً من هذه الجماعات يثير اشمئزاز المواطن البريطاني العادي غير المسيَّس.

وبالمقارنة، جلسة مناقشة العرائض في قاعة وستمنستر قبل أيام، قدَّمت في ساعتين ما لم تقدمه المظاهرات، سواء لتغيير السياسات العامة للبلاد، أو لإنهاء الحرب المأساوية نفسها.

تفاصيل الجدل في الجلسة بالأرقام والوثائق وتبادل المقترحات والحلول والتصويت (بلا أي اعتراض) بتبني مضمونَي العريضتين، وضعت التوصيات للحكومة والمقترحات والنقاط الإيجابية في الأوراق الرسمية، وأدت بالحكومة البريطانية إلى التأكيد الرسمي على خطوات يعدها الفلسطينيون ودعاة السلام من الجانبين مكسباً وتحركاً على طريق حل الدولتين، واحتمال فتح أبواب جديدة لإيجاد سبل لإنهاء النزاع.

العريضة الأولى حملت أكثر من 283 ألف توقيع، تطالب حكومة الملك «باعتراف المملكة المتحدة رسمياً بالدولة الفلسطينية»؛ والعريضة الثانية، تذيَّلها 107 آلاف توقيع، تطالب الحكومة «بإلغاء جميع تصاريح تصدير السلاح إلى إسرائيل». والمعتاد أن العرائض الشعبية التي تحمل أكثر من مائة ألف توقيع تنظرها اللجنة البرلمانية للعرائض، وفي معظم الحالات تطرحها للمناقشة في قاعة وستمنستر، وغالباً للتصويت.

اللجنة مؤلفة من 11 نائباً، وتعكس تكوينها نسبة الأحزاب في مجلس العموم، بسبعةٍ من «العمال»، واثنين من كل من «المحافظين» و«الديمقراطيين الأحرار»، ومنهم الدكتورة روز سافيج التي تولت في جلسة يوم الاثنين تقديم العريضتين (بتكليف من اللجنة) للنواب، وإقناعهم بالتصويت لهما. ممثل الحكومة البريطانية في الجلسة كان النائب هيميش فولكنار، الوزير البرلماني المساعد لوزارة الخارجية، لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان.

ورغم أن القرارات النابعة من العرائض التي يصوِّت النواب بتبنيها في قاعة وستمنستر ليست ملزمة، كالقرارات المدرجة على جدول أعمال مجلس العموم في القاعة الرئيسية، فإن الأهمية في بعض الأحوال (كما حدث في جلسة الاثنين) تكون في نجاح العريضة أو بعض محتوياتها، في تأكيد مواقف رسمية كانت غير واضحة، ودخولها السجلات والوثائق البرلمانية، مما قد يؤدي يوماً إلى مساهمتها في صياغة مشاريع قوانين وقرارات رسمية.

فمثلاً، أكد الوزير المسؤول عن المنطقة (فولكنار) التزام المملكة المتحدة حلَّ الدولتين، ومبدأ الاعتراف بالدولة الفلسطينية في إطار مفاوضات التسوية.

المشاركة كانت كبيرة، بنواب من جميع الأحزاب ومن المستقلين، والغالبية مع محتوى العريضتين؛ خصوصاً الملمين بتفاصيل النزاع، ومن قاموا بزيارات ميدانية. ما أثاره الجدل من معلومات دفع أيضاً للأضواء السياسية تفاصيل عديدة (مثل تكرار المطالبة بحل الدولتين على حدود 1967، والقرار 242) غالباً تجهلها الأجيال الجديدة من الساسة والرأي العام؛ خصوصاً أثناء مناقشة العريضة الثانية بشأن تراخيص تصدير السلاح.

حجم تجارة السلاح مع إسرائيل 18 مليون جنيه فقط؛ لكن هناك بعض التراخيص أوقفت بالفعل. أما مطالبة نواب بمنع بيع قطع غيار المقاتلة النفاثة «إف 35»، فتبين مدى صعوبة تنفيذها؛ لأنها ضمن اتفاق عالمي للبلدان المشاركة في تصنيع واستخدام الطائرة. أيضاً أكد الوزير فولكنار أن هناك صادرات دفاعية ومدنية تشترط بريطانيا عدم استخدامها في الضفة الغربية، فبريطانيا من البلدان التي تؤكد عدم شرعية هذه المستوطنات، كما أنها خارج المعاملة المفضلة في الرسوم التي تحظى بها الصادرات الإسرائيلية والمنتجات الفلسطينية حسب اتفاقيات التجارة بين البلدين؛ فالموقف الرسمي هو رفض احتلال إسرائيل للضفة الغربية، بوصفه انتهاكاً للقانون الدولي.

الملاحظة المهمة من مناقشة العريضتين أن الساعين لتسويات عادلة للنزاعات الدولية، عليهم التأكيد على كسب تأييد الأغلبية في برلمانات البلدان العظمى، كوسائل أفضل عملياً من المظاهرات وعمليات العنف التي تأتي بنتائج سلبية. وربما لا يذكر الجيل الأصغر أحداث سبعينات وثمانينات القرن الماضي، عندما بلغت أزمة الفلسطينيين ذروتها في 1982، بخروج المنظمات الفلسطينية من لبنان إلى تونس، ونصائح «الأقلية» من حكماء السياسة بضرورة التركيز على الخلاف قانونياً والمفاوضات السياسية، كالراحل الملك الحسن الثاني (1929- 1999) الذي استضاف قمتين للجامعة العربية (1982 و1985) مكرراً أهمية «الصراع القانوني»، بدلاً من إهدار الأرواح والجهد. ونصح بتفاوض الفلسطينيين والإسرائيليين مباشرة وجهًا لوجه، لسنواتٍ قبل اتفاقيات أوسلو التي رفضتها فصائل فلسطينية كثيرة.