خالد بن حمد المالك
منذ سقوط بشار الأسد ونظامه، تركز الاهتمام الإعلامي والسياسي بسوريا، وأصبحت جرائم إسرائيل في غزة، والحرب بين روسيا وأوكرانيا وكذلك السودان وغيرها في تراجع من حيث الاهتمام والمتابعة، وكأن العالم أصبح في حالة حذر وخوف من النظام الجديد في سوريا، وهو ما لم يكن حين كان سجين روسيا بشار الأسد على رأس السلطة على مدى أكثر من 25 عاماً، ومثلها حين كان والده حافظ الأسد رئيساً لسوريا.
* *
إرباك النظام الجديد، بالضربات الإسرائيلية الموجعة أمام دولة بلا جيش، وتردد أمريكا والغرب في رفع العقوبات، والتمنع عن إلغاء وصف هيئة تحرير الشام بأنها إرهابية، بادعاء أنهم ينتظرون أفعالاً لا أقوالاً، والتحذير من خطورة هروب عناصر داعش من السجون، وأن الحكم على النظام الجديد لا يزال مبكراً.
* *
كل هذا يظهر أن التعامل الأمريكي الغربي مع النظام الجديد لا يوحي بأن هذه الدول في موقف المرحب بهذا التغيير بما فيه الكفاية، بدليل اشتراطات أمريكا الكثيرة للاعتراف بالنظام الجديد، وأن يتم ذلك من خلال مبدأ خطوة خطوة كما هو رأي المفوضية الأوروبية، رغم أن الوفد الأمريكي الذي زار سوريا أرسل رسائل إيجابية عن مباحثاته مع أحمد الشرع.
* *
إن التفاهم مع النظام الجديد، والتعاون معه على رسم خريطة لمستقبل سوريا، وبحث مبادئ الانتقال السلمي للسلطة الجديدة، وبأن يكون التركيز على إشراك جميع السوريين في إدارة شؤون بلادهم دون إملاءات من الخارج، وإنهاء نفوذ القوى الأجنبية ووجودها في سوريا يجب أن يكون من أولويات إنجاح النظام الجديد، ودمجه في المجتمع الدولي.
* *
لقد تمت العملية السياسية، وأُقصي الأسد، وأُنهي نظامه، وكان الانتقال سلمياً، بانسحاب الجيش، وهروب قادته من مواقعهم، وتخليهم عن دعم بشار الأسد، ما اضطره إلى الهرب إلى روسيا، وبالتالي فإن على هيئة تحرير الشام والفصائل المتعاونة معها تطمين بقية الفصائل التي ما زالت تحتفظ عسكرياً بمواقعها، والإسراع في المباحثات معها، وصولاً إلى إشراك جميع السوريين في النظام الجديد.
* *
ومن المؤكد أن الإسراع في الإعلان عن الدستور الجديد، وتحديد موعد الانتخابات، والتأكيد على أنه لا استثناء لأي فئة من السوريين، دينياً ومذهبياً وقومياً وعرقياً في إدارة شؤون الدولة يساعد على إزالة التردد لدى بعض الفصائل من الاندماج مع النظام الجديد، وبالتالي تنتهي الصراعات والخلافات والحروب.
* *
والأهم أن تصطف سوريا بنظامها الجديد إلى جانب الدول العربية بتحسين علاقاتها وتحالفاتها معها، بعيداً عن التقرّب لهذه الدولة، والابتعاد عن الأخرى، حرصاً على مساعدتها في تجاوز أزماتها الاقتصادية والإنسانية والسياسية، بفضل ما سوف تتلقاه من مساعدات ومواقف داعمة.
* *
ومن الطبيعي والمطلوب هنا أن يطوي النظام الجديد كل ما شاب حروبه وتحالفاته في السابق من نقد، ويعتبرها من الماضي، ويُحسِّن علاقات سوريا بجيرانها، دون التنازل عن وحدة الأراضي السورية واستقلالها، وحقوق الشعب السوري الشقيق.
* *
وإذا كان الاستقلال ووحدة الأراضي يعني إمساك النظام الجديد بكل مفاصل الدولة، فإن على النظام الجديد التفاهم على تفريغ سوريا من القوات الروسية والأمريكية والتركية والميليشيات الأجنبية وما بقي من عناصر إيرانية تلك التي سمح النظام السابق لها بالوجود على الأراضي السورية والأخرى التي جاء وجودها دون موافقة من النظام السابق، وأن يكون التخلّص منها أساساً لاستقرار سوريا وبنائها من جديد.
* *
ومن المؤكد أن التحديات كثيرة، والمعوقات أكثر، والعالم لا يتردد في تكبيل النظام الجديد وفقاً لمصالحه، حتى وإن لم تتعافى الدولة، حتى وسوريا مقبلة على أمل أن تكون دولة مختلفة عمَّا كانت عليه على مدى أكثر من نصف قرن، كان يحكمها حافظ وبشار الأسد في ظل نظام البعث الذي لم يعد له من وجود مع انتهاء حكم بشار الأسد.
التعليقات