زياد بن عبدالله الدريس
في صباح الاثنين 15جمادى الآخرة 1446هـ/ 16ديسمبر 2024م توفي ابن خالي وأخي الكبير وصديقي الغالي عبدالله بن زامل الدريس (أبو نايف)، فتكالب الناس من مختلف مناطق المملكة، بل والبعض من خارجها، ينعون الفقيد ويعبرون عن حزنهم الشديد وخسارتهم الكبيرة بفقده.
في مجلس العزاء «المختصر» كنا نتداول بعضاً من حكاياته معنا ومواقفه مع الناس ومآثره نحو كثير من معارفه ومن غير معارفه، سعياً منا لتفسير هذا الحب الظاهر على وجوه الناس الحزينة لرحيله، رحمه الله.
فلماذا أحب الناس (أبونايف):
لأنه كان باراً بوالديه، براً يفوق الأقوال اللطيفة معهما إلى الأفعال الشاقة أحياناً لتحقيق راحة كل منهما، رغم العبء الثقيل كونه الابن الوحيد لهما مع شقيقته الوحيدة، التي كان رحيماً بها وعطوفاً عليها كالأب لا كالأخ فقط.
ورغم انشغاله التام باحتياجات والديه يرحمهما الله وشقيقته يحفظها الله، ثم انشغاله لاحقاً بأسرته، زوجته وبناته وابنه الوحيد جبر الله مصابهم، رغم قيامه بهذه الواجبات الأسرية على أكمل وجه إلا أنه لم يكن يتأخر عن حضور مناسبات الأقارب والمعارف والأصدقاء.
لم يكن من أولئك الذين يشاركون الناس أفراحهم وولائمهم فقط، بل كان أول من يزور المريض حين يعلم بمرضه، وأول من يذهب للتعزية في فقيد.
ومع هذا الانضباط في التزاماته الاجتماعية، كان مثالياً في انضباطه الوظيفي، ولم يتقهقر هذا الانضباط عنده منذ التحاقه بالوظيفة أخصائي مختبر حتى أصبح وكيلاً لوزارة الصحة، واستمر هذا الانضباط والإخلاص عنده حتى بعدما صار عضواً بمجلس الشورى. بل حتى بعدما صار رئيس الهيئة العربية لخدمات نقل الدم، استمر يعمل بوتيرة الحماس والإخلاص التي كان عليها في بدء حياته الوظيفية، وقلّ من يحافظ على هذه الوتيرة طوال أكثر من أربعين عاماً وظيفياً.
وفوق انشغالاته بشؤونه الأسرية والوظيفية فإنه لم يكن يتأخر في مساعدة من يحتاج إلى خدمة، خصوصا في المجال الصحي، فكان يذهب بنفسه إلى المستشفى ليتابع الحالة ويطمئن ويقدم التسهيلات في حال وجود أي تعقيد. ولم يكن يقدم مساعدته فقط إلى أولئك الذين يُرجى عندهم منفعة متبادلة، بل يخدم المحتاج العاجز المعوز قبل خدمة الوجيه القادر.
وأحبّه الناس نظراً لقدرته البارعة في الحفاظ على التوازن بين حرصه على أداء واجباته الدينية بكل صرامة، وحرصه على المشاركة في مجالس السمر والمرح بكل بشاشة.
في رمضان 1420هـ/ 2019م ذهبت وإياه وبعض إخوتي إلى المدينة المنورة، كنا إذا ذهبنا إلى المسجد النبوي انعزل وكان أكثرنا خشوعاً وانكساراً، ثم إذا عدنا إلى الفندق كان هو الأكثر بشاشة ومزحاً ومرحا.
ومع ركضه المتواصل بين أعماله والتزاماته لم يكن يفرّط في مظهره وهيئته القشيبة، فكان دائم الأناقة والقيافة، إيماناً منه يرحمه الله بأن ظهوره بالمظهر الأنيق في لقاءاته وزياراته هو توقيرٌ لذاته واحترام للآخرين.
وأحبه الناس لتواضعه وتبسّطه رغم مكانته الاجتماعية والوظيفية المرموقة، فهو لا يتوانى عن تقبيل رأس من هو أكبر منه بقليل، وعن المزاح مع من هو أصغر منه بكثير.
لهذه الأسباب وغيرها أحب الناس (أبونايف)..
أما أنا فقد أحببته لأنه كان ابن خالي منذ عرفته في صغري، ثم في العشرين من عمري أصبح زميلي، وفي الثلاثين أصبح صديقي، وفي الأربعين أصبح أخي الكبير، وبعد أن بلغت الخمسين أصبح أبونايف أخي وصديقي وحبيبي الذي لا أنقطع عن التواصل معه يوماً بعد آخر. فاللهم اجبر كسري فيه واجمعني به ووالدينا وأحبابنا في الفردوس.
التعليقات