ناهد الأغا

القهوة مشروب منعش للقلب ذو نكهة فريدة ورائحة غريدة؛ تدغدغ الحواس كبلبل يشدو ألحانا تطرب الروح، وتتغلغل في ثنايا الجسد عندما يتذوقها اللسان فينشط العقل، إذ يحفزه الكافيين الذي يحتويه فيحسن الوعي، ويساعد على زيادة اليقظة. هذا المشروب اللذيذ رفيق الصحوة الصباحية قيل عنه: إنه عذراء الصباح الصامت والقراءة العلنية لما يحمله النهار من أسرار؛ فإذا كانت هذه المصطلحات الأنيقة والتعاريف الجميلة قد أطلقت على القهوة بشكل عام فكيف إذا كانت القهوة سعودية نعم أقول سعودية لأنها ذات ميزات ودلالات خاصة بالمجتمع السعودي الذي يمثل ثقافات العرب وعاداتهم ويحافظ على تقاليدهم.

السعودية عبر تاريخها الحافل بالقيم والمثل الإنسانية وكرم الضيافة، فإن القهوة ترتبط بإرثها الثقافي والاجتماعي وتعد عنصرا مهما من عناصر الثقافة الأساسية، ليس لمجرد كونها مشروبا طيبا لذيذ المذاق، يتصدر جميع لحظات الحياة فحسب بل لأنها تمتلك دلالات عميقة في الكرم وأصول والضيافة والتنوع الثقافي والاجتماعي.

فمن عملية زراعتها إلى حصادها وتوزيعها ثم إلى طريقة إعدادها وتحضيرها وصولا إلى طرق تقديمها؛ وانطلاقا من خصوصية تعامل المجتمع السعودي معها ومع أجوائها المميزة فقد تم الاحتفاء بالقهوة بوصفها منتجا ثقافيا خاصا بالمملكة العربية السعودية؛ فهي عنصر رئيس من عناصر الثقافة المتأصلة والتقليد المتوارث ضمن أسلوب المعيشة فيها، حيث لها برتوكول خاص في استقبال الوفود الخارجية ورؤساء الدول في المملكة، وقد عرفت زراعة البن في المملكة العربية السعودية بوصفها مهنة متوارثة بدأت منذ ثلاثمئة سنة لسد الاحتياجات الذاتية للمزارعين وتعد السعودية من أكثر الدول استهلاكا للبن الذي هو محصول تجاري يسهم في تحسين المستوى المعيشي لسكان المناطق الجبلية التي تزرع فيها جنوبي المملكة، ويعد البن الخولاني السعودي أغلى وأندر انواع البن في العالم لما يتميز به في رائحته الزاكية والطبقة الزيتية التي تغلفه. هذا المشروب الفائق في اللذاذة والساحر في راحة النفس له عدة دلالات في تقديمه للضيف في المملكة العربية السعودية حيث يشير الفنجان الأول من القهوة الذي يشربه المضيف قبل الضيف إلى تقديم إثبات على سلامة القهوة ويسمى بفنجان (الهيف) أما الفنجان الثاني الذي يتناوله الضيف من مضيفه ربما يكون مجبرا على شربه، ما لم يكن عنده طلب يرغب أن يحققه له قوة عند العرب ويسمى فنجان (الكيف) والفنجان الثالث يشير إلى تعاهد الضيف والمضيف على التآزر والشدائد ويسمى فنجان (السيف) هذه الدلالات في تناول القهوة.

إذا القهوة السعودية لها طقوسها الخاصة ابتداء من تحميص البن وتحديد نكهته ومذاقه وما يضاف إليه من قرنفل وزعفران وقرفة وهيل، وقد خصصت له شركة خاصة في المملكة سميت باسم الشركة السعودية للقهوة وفعلت وزارة الثقافة بالشراكة مع هيئه فنون الطهي مشروع خبير القهوة السعودية ضمن مشروع ومبادرات عام القهوة الذي كان عام 2022 احتفاء بالقهوة التي هي إرث متوارث يجب الحفاظ عليه بهدف تأصيل العادات والتقاليد المتوارثة المرتبطة بإعداد وتحضير القهوة السعودية.

وقد أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) عادات القهوة العربية كونها عنصرا مشتركا بين السعودية ودول خليجية عدة في اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في اليونسكو.

قهوتنا سعودية لها خصائص وطقوس وأهداف، قهوتنا سعودية بنكهاتها المتعددة ومذاقاتها التي تعدل المزاج وتنمي الذوق وتربو على كل أنواع المشروبات الساخنة..

لا يستغنى عنها في بداية صباحنا وقفلة مساءنا، هي سميرة أرواحنا وصاحبتنا في اللقاءات وصديقتنا في السفر، دائما وأبدا السعودية جميلة ومتميزة بكل أشكال الحياة..