عماد الدين حسين
هل يمكن أن يكون هناك موقف عربي موحد أو على الأقل منسق، لمواجهة التطورات المتلاحقة، التي تعصف بالمنطقة العربية خصوصاً بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في 8 ديسمبر الجاري؟
الإجابة هي نعم، المهم أن تتوفر البيئة والإرادة، وأن يكون هناك نقاش جاد بما يقود إلى تقليل الخسائر، وتعظيم الفوائد.
النقطة الجوهرية هي أن تتفق الدول العربية الفاعلة خصوصاً الإمارات ومصر والسعودية والأردن على تصور عملي، جوهره أن العرب يمكنهم أن يساعدوا الشعب السوري بكل ما يملكون، بشرط أن تكون هناك عملية سياسية شاملة، جوهرها الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ومؤسسات وجيش الدولة، وعدم الارتهان لأي دول أجنبية تضر بالأمن القومي العربي.
على الدول العربية الفاعلة أن تبعث برسالة واضحة إلى القوى الجديدة في سوريا، وتقول لها: «نحن مستعدون لدعم سوريا وشعبها، لكن بمجموعة من الشروط والمحددات والأسس».
وأتصور أن البيان الختامي للجنة الاتصال العربية، الذي صدر في ختام اجتماعاتها يوم 14 ديسمبر الجاري في العقبة يصلح أن يكون آلية مهمة للعلاقة الجديدة بين الدول العربية والنظام الجديد في سوريا.
من وجهة نظري فإن أهم الشروط الجوهرية العربية لعلاقات عربية صحية مع سوريا تتمثل في الآتي:
الشرط الأول: وجود عملية انتقالية سلمية سياسية جامعة في سوريا، تمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية، بما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة، وأن العرب يدعمون ذلك تماماً.
الشرط الثاني: أن يكون هناك حوار وطني شامل، وتكاتف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه وقواه المختلفة، لبناء سوريا الحرة الآمنة المستقرة الموحدة، التي يستحقها الشعب السوري بعد سنوات طويلة من المعاناة والتضحيات.
الشرط الثالث والمهم: ضرورة احترام حقوق الشعب السوري بكل مكوناته، ومن دون أي تمييز على أي أساس سواء العرق أو الدين أو المذهب، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين.
الشرط الرابع: الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وتعزيز قدرتها على خدمة الشعب، وحماية البلاد من الانزلاق نحو الفوضى، وتمكين جهاز شرطي لحماية المواطنين وممتلكاتهم ومقدراتهم، ومقدرات الدولة السورية.الشرط الخامس: الالتزام بتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته حتى لا تتحول البلاد إلى منطلق لقوى الإرهاب لتهديد جيرانه.
الشرط السادس: التهيئة الأمنية والسياسية والحياتية للعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم، بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية.
الشرط السابع: تحقيق المصالحة الوطنية ومبادئ العدالة الانتقالية، وفق المعايير القانونية والإنسانية، ومن دون أي دوافع انتقامية، لحقن دماء الشعب السوري.
هذه شروط أساسية ينبغي أن توافق عليها الحكومة السورية الجديدة، وتكون الرسالة العربية الأساسية هي أنه إذا وافق الحكام الجدد على هذه الشروط الجوهرية فإن الدول العربية ستدعم جهود الأمم المتحدة، لإنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا على دعم العملية الانتقالية ورعايتها، وإنجاز عملية سياسية، يقودها السوريون وفق القرار 2254.
وسوف يتضامن العرب مع سوريا في حماية وحدتها وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها، وسلامة مواطنيها.
وسوف يدعم العرب سوريا في عملية إعادة بناء دولة عربية موحدة مستقلة وآمنة لا مكان فيها للإرهاب والتطرف، ولا خرق لسيادتها أو اعتداء على وحدة أراضيها من أي جهة كانت.
الرسالة العربية الموحدة ينبغي أن تستند إلى مخرجات البيان الختامي للقاء العقبة، وجوهره أن التعامل مع الواقع السياسي الجديد في سوريا سيرتكز على مدى انسجامه مع المبادئ والمرتكزات السابقة، وبما يضمن تحقيق الهدف المشترك في تلبية حقوق الشعب السوري وتطلعاته، وإذا حدث ذلك فإن الدول العربية المعنية سوف تتواصل مع الشركاء في المجتمع الدولي، لبلورة موقف جامع يسند سوريا في جهود بناء المستقبل، الذي يستحقه الشعب السوري، ووفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
أظن أن وزراء خارجية الإمارات ومصر والسعودية والعراق والأردن والبحرين ولبنان قد وضعوا الأسس الصحيحة في اجتماع العقبة، للتعامل مع القضية السورية، والأهم أنهم اجتمعوا أيضاً مع وزراء خارجية تركيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي باعتبارهم الأكثر تأثيراً في التطورات، من أجل ضمان ألا تنجرف سوريا إلى ما لا يحمد عقباه.
من مصلحة الأمة العربية أن تكون سوريا آمنة مستقرة تستوعب كل سكانها بكل تنوعاتهم، وألا يكون فيها مكان للإرهاب أو التطرف.
التعليقات