لا أحد يستطيع على وجه اليقين أن يفسر التغيير الجذري الذي حدث في سوريا. نحن أمام عدد من الافتراضات تتداخل فيها "نظرية المؤامرة" بالتحليل المنطقي للأحداث، ولكنّ اليقين أنه قد حدث ما حدث، وهو انهيار نظام الأسد، والذي رحّب به كثيرون، بسبب الأهوال التي تبين أنها وقعت على الشعب السوري بكل مكوّناته. المستقبل أيضاً غير واضح المعالم والطريق إلى الدولة المدنية العادلة والحديثة المرجوّة من أهل النيات الطيبة تشوبه المخاطر والمنعطفات. ما يتوجّب الوقوف أمامه في هذه المرحلة هي ردّة فعل النظام الإيراني الحاكم، وهي ردّة فعل تختلط فيها المفاجأة من قبله على ما حدث، مع التمنّي، أو حتى الاعتقاد، أنّ ما حدث يمكن التراجع عنه أو على الأقلّ الاستفادة من تطوّراته. لا أحد وصيّ على ما تطوّر في سوريا، فمن المفروض أن يكون السوريون وحدهم من يقرّر طريق الخلاص من معضلة اسمها حكم الأسد ومعاونيه، وقد استمرّ لأكثر من نصف قرن تحوّلت فيها سوريا من مكان إلى آخر. قراءة تصريحات رجال الحكم في إيران تجاه ما يحدث في سوريا، ليست في العمق، موجّهة إلى السوريين أو حتّى العرب. من يفهم ذلك يفكّر في الغالب في المظهر. أمّا الخبر فهو موجّه إلى الداخل الإيراني ومفاده: أيها الشعب الإيراني لا تنظروا لما حدث في سوريا على أنّه مثال يحتذى. عليكم الحذر من هذا التطوّر! لتفسير ما أوجز في السابق، لنقرأ ما قاله السيد خامنئي المرشد الأعلى والسيد عراقجي وزير الخارجية كأمثلة. أنهى الأول تصريحاً طويلاً بالقول: "الشعب الإيراني ستطأ قدماه أيّ شخص يقبل بأن يكون خادماً لأميركا في هذا المجال". جاءت تلك العبارة بعد عدد من العبارات منها: "الشباب السوري ليس لديه ما يخسره، جامعته غير آمنة، مدرسته غير آمنة، شارعه غير آمن، حياته غير آمنة، فماذا يفعل؟"، إلى جانب عبارات مثل: "لا يعتقدوا أنهم حققوا النصر. يريدون التفاخر بشكل مبالغ فيه". ثمّ أردف، وهذا هو المهم: "أحد العناصر الأميركية قال إننا سوف ننشر الفوضى في إيران، ولكنّ الحمقى فقط هم من يعتقدون أنهم سيتلقّون المساعدة". تلك من بعض تصريحات المرشد الأعلى، أمّا السيد عراقجي فصرّح: "سوريا تواجه مستقبلاً غامضاً، ومن يعتقد أنّه حقّق انتصارات في سوريا عليه التمهّل". إذا قارنّا هذه التصريحات بما كتبه وزير الخارجية الأسبق المرحوم عبد اللهيان في كتابه حول سوريا والمعنوَن "صبح الشام" والذي شرح فيه كيف تدخّلت إيران في سوريا، والعنوان له دلالاته، نتوقّف أمام موضوعين. عبد اللهيان يرى أنّ ما عرف بربيع العرب هو "ربيع مستمدّ من ثورة إيران الخمينية"! ذاك رأيه! ويبرّر التدخّل الإيراني في سوريا على أنّه "للدفاع عن المرقد الزينبي"، والمعروف أنّ معظم المراقد في الشام أو في مصر أنشأتها وحافظت عليها زمناً طويلاً الجماعات الصوفية، كغيرها من المزارات في البلاد العربية. كلّ تلك التبريرات هي للاستهلاك السياسي، وتمريرها على البسطاء، أمّا الحقيقة فإن إيران كان لها مشروع توسعي سياسي، استفادت لتحقيقه بمجموعة من المتغيرات السياسية والأزمات، وصرفت عليه بسخاء في نصف القرن الماضي إلى درجة حرمان الشعوب الإيرانية من الكثير من مقوّمات الحياة. هذا المشروع أصيب بصدمة، ليس في اضمحلال كلّ من "حماس" في غزة ، وأيضاً "حزب الله" في لبنان، بل الصدمة الكبرى في سوريا، والتي وجد شعبها بتعدد اجتهاداته، أنّ إعانة نظام الأسد من قبل إيران، وهو الذي بطش بالجميع، ذنب لا يغفر تحت أيّ ذريعة. لا تنتهي الصدمة هنا، فالشعار المعروف للنظام الإيراني، والذي كرّره كثيراً عدد من المسؤولين "أننا نحارب خارج حدودنا، حتى لا نضطر أن نحارب داخل حدودنا"، هو نظرية نجحت إلى حدّ ما ولزمن ما. أمّا وقد تغيّر المشهد، فإنّ تخوّف النظام الإيراني هو من الداخل، لذلك الرسالة إلى الجمهور "لا تأخذوا ما حدث في سوريا مثالاً"! أيّ سياسي يعرف أن الصراع لم ينتهِ هنا، فإيران سوف تحاول، ومن خلال تصريحاتها، التعامل مع الوضع السوري واللبناني بحيث تعيد نفوذها من أجل "الحرب خارج الحدود". ومن يعتقد أنها سوف تكفّ، فإنّ حساباته السياسية غير دقيقة. من هنا أهمية تصليب الموقف السوري، دون التدخّل في شؤونه الداخلية، إنّما بالمساعدة في ملفّين أساسيين: رفع الحصار الدولي عن سوريا، والمساعدة في الملفّ الاقتصادي، فإحساس الشعب السوري بتغير اقتصادي ملموس هو المصدّة أمام أيّ عبث. بقية الأمور، الشعب السوري كفيل بتسويتها. وسنة سعيدة للشعب السوري.