ربما تكون إيران الوحيدة، في العالم، بخلاف أمريكا، التي تمتلك تقريبا «كل شيء» تحتاجه حكومة أية دولة من قوة اقتصادية، وموقع جغرافي مميز، وتعدد درجات حرارة، وموارد طبيعية هائلة، وصناعات متعددة، وشعب نشط، وتاريخ طويل، وأرض شاسعة، وإمكانات سياحية ضخمة، ومطبخ عالمي، وفنون رائعة، ومع ذلك يعيش شعبها تحت ظروف قاسية، وتصنف ضمن الدول المتخلفة، وتعاديها نصف دول العالم، أو على الأقل لا تشعر بالراحة في التعامل معها، وتأتي في المرتبة الدنيا سياحيا، مقارنة بتركيا ودبي والمغرب ومصر، بالرغم من كل إمكاناتها (بخلاف السياحة الدينية)، وبالرغم من قدراتها السياحية الكبيرة، والسبب أن جل مواردها وأموالها توجه للتغلب على العقوبات الاقتصادية، المفروضة عليها، وعلى مغامراتها، داخل وخارج حدودها، والتخوف من احتمال الانقلاب على نظامها، وهذا يدفعها للصرف ببذخ على أجهزتها العسكرية والمخابراتية، وعلى توسعاتها الإقليمية، بحجج سياسية ومذهبية، ورغبة في كسب حلفاء لها، وهو ما نجحت فيه لفترة، لكنهم كانوا حلفاء لا يمتازون بشيء، غير أنهم «مفلسون»، ماديا وفكريا، لذا لم يتطلب الأمر من إسرائيل إلا بضعة أيام للقضاء على أكثر من نصفهم في المنطقة!

تمتلك إيران رابع أكبر احتياطي نفط مؤكد في العالم، وثاني أكبر احتياطي غاز في العالم بعد روسيا، وتبلغ مساحتها مليونا و650 ألف كم2 (الكويت أقل من 18 ألف كم2) ويبلغ تعداد سكانها 90 مليونا، وتتفوق على روسيا في مجال صناعة الصواريخ القصيرة وتكنولوجيا الدرون، لكنها تعاني من التضخم والبطالة والفساد الحكومي، وكم هائل من المشاكل.

في مقال نشر قبل أيام في الجريدة تساءل الزميل خليل علي حيدر:

هل تدرك الجمهورية الإسلامية الآن عمق ومغزى الأحداث الجسام التي مرت بها المنطقة، التي تسببت في خسارتها لماء الوجه؟ إن ما حدث لم يكن شيئاً يمكنها تجاهله، والعودة إلى ما قبل سقوط بشار؟ فانهياره، ودعم تركيا للنظام الجديد، وتردد حلفائها في الوقوف معها، بحاجة إلى إدراك واقعي من قبل قيادتها، ولإجراء جملة تحولات، والتخلي عن السياسات التي تبنتها منذ عام 1979، فقد أثبتت أحداث سوريا أن قمع الحريات السياسية لا يوفر الأمن والضمان لأي نظام، فكيف سيبرر إنفاق عشرات مليارات الدولارات على جهات مكروهة من شعوبها وفاشلة، وأو يبرر الضياع الكامل والمخجل لكل ما تم بذله لحلفاء الأمس، أو ما الذي تسبب في إفقار إيران، على مدى نصف قرن؟

ولماذا تعيش الدول الخليجية كلها والعديد من الدول النفطية في رفاهية وتتمتع باقتصادات متينة وعملات قوية ورواتب شهرية وتقاعدية مجزية، في حين يعاني الموظف والعامل في إيران من جملة ضغوط ومحدودية دخل واضحة، وانحدار في مستوى المعيشة، ودولته هي الأكثر ثراء، فأين ذهبت وتذهب ثروات البلاد الضخمة؟ ولماذا يجب على الشعب الإيراني وحده الشقاء والعسكرة وبناء الأسلحة الذرية وشراء الطائرات المقاتلة والصواريخ والدبابات، وتبني المواقف المبالغ فيها من القضية الفلسطينية التي تزايد فيها حتى على مواقف الكثير من الفلسطينيين؟

كل أعداء إيران يتمنون لها البقاء على نفس سلوكياتها، فقط أصدقاؤها، على ندرتهم، يطلبون منها عكس ذلك، والتساؤل؛ ألم يحن الوقت لأن تراجع إيران سياساتها، وتتحول لخدمة شعبها وتعزيز رفاهيته، بدلا من المواقف الدون كيخوتية، والزعم أنها رأس حربة العالم الإسلامي، ولا أتذكر من كلفها القيام بذلك؟


أحمد الصراف