موسى بهبهاني
«الغبقة الرمضانية» تعتبر من التقاليد الكويتية العريقة منذ عقود من الزمان، حرص الكويتيون على إحيائها في كل عام، وهي عبارة عن تجمع يدعو فيها صاحب الدعوة الأهل والجيران والأصدقاء إلى منزله، لتلقي التهاني بالشهر الفضيل، شهر الله، شهر رمضان المبارك، فهي مناسبة فرح يهنئ الحضور بعضهم بعضاً، يعد فيها الطعام في الفترة ما بين الفطور والسحور.
وتقام بها (الغبقة) منذ بدء شهر رمضان وحتى منتصفه قبل انشغال الناس بإحياء العشر الأواخر من الشهر الفضيل والاستعداد للعيد.
في السنوات الأخيرة أصبحت الغبقة مناسبة رمضانية اجتماعية كبيرة تقام في صالات الأفراح والفنادق، تتم فيها دعوة جميع أطياف المجتمع من المواطنين والمقيمين على أرضنا الطيبة.
والأصل فيها ليس تناول الطعام، إنما لتعزيز روح الألفة بين أفراد المجتمع، والتواصل بين الأهل والأقارب وجميع أطياف المجتمع الواحد ومكوناته وطبقاته دون تمايز بينهم.
وقد أضحت تلك (الغبقة) سمة مميزة للأسر الكويتية، بل امتدت إلى المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لتجمع الموظفين في تلك المنشآت ليتم التعارف والتعاون والتواصل في ما بينهم لكسر روتين العمل اليومي ما بين الموظف والمسؤول والقيادي لكسر الحاجز الوظيفي في ما بينهم، ومنها يتم توثيق التعارف وتعزيز علاقة الود والانسجام مما ينعكس بالإيجاب على العمل.
غبقة المحبة:
والأجمل أنها، أي الغبقة، امتدت إلى خارج اطار المجتمع الكويتي، حيث يحرص القمص بيجول الأنبا بيشوي، راعي الكنيسة القبطية في الكويت، على إقامة هذا التجمع الجميل تحت اسم (غبقة المحبة) في شهر رمضان من كل عام، يدعو إليها جميع شرائح المجتمع من كويتيين ووافدين ودبلوماسيين ورجال دين، الكل يجتمع على المحبة والأخوة.
يحرص القمص بيجول، على استقبال جميع ضيوفه منذ القدوم وحتى المغادرة يستقبل الضيوف بترحاب ومشاعر دافئة ومحبة صادقة، يهدف فيها إلى التواصل الأخوي بين الجميع، فالإنسانية حياة.
ناهيك عن محبته للكويت وشعبها، دائماً يتمنى للكويت العزيزة كل تقدم ورخاء وأن يحفظ لها نعمة الأمن والاستقرار، ويديم عليها حكمة قيادتها ويوفقها في قيادة سفينة الكويت إلى شاطئ الأمان، متمنياً لشعوب العالم أن تنعم دوماً بالخير والسلام.
فتلك المبادرة الحميدة (غبقة المحبة) مستمرة ولم تنقطع منذ 24 سنة وإن شاء الله تظل مستمرة.
والجدير بالذكر أن القمص بيجول قد انفرد بكلمة معبرة تعزز المحبة ذكر فيها أن هناك رجل دين خرج بهذا التأمل:
قال الرجل لي ثلاثة أصدقاء ذهبت للأول وقلت له أود الوصول إلى قصر الملك لأتكلم معه في أمر مهم، فقال الصديق الأول: أنا أرافقك إلى نصف الطريق فقط؟
فقال: ذهبت للصديق الثاني
وقال: أنا أكمل معك من نصف الطريق إلى باب القصر ولكني لا أقدر أن أدخل معك!
وقال له الصديق الثالث: أنا أرافقك وأدخل إلى القصر وأتكلم مع الملك بدلاً منك!
فمن هم هؤلاء الأصدقاء:
الأول: هو الزهد والتقشف في العبادة.
الثاني: هو العفة والطهارة.
الثالث: هو المحبة.
فالمحبة تفوق كل الفضائل وتمكننا من أن نصل إلى قلوب الجميع.
أكثر الناس فهماً لحلاوة الحياة هم أكثرهم نبذاً للكراهية، هؤلاء أدركوا مبكراً أن الأحقاد تأكلهم من الداخل وتفتك بهم أكثر ممن يبغضونه.
فإن أعمى الحقد قلبك فالحياة لا طعم لها.
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
(لَا يُؤْمَنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)
وقال الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام:
(النَّاسُ صِنْفَان، إمَّا أَخ لَك فِي الدَّيْنِ، أَوْ نَظِيرٌ لَك فِي الْخَلْقِ)
فكلنا من أصل واحد آدم وحواء.
ولله الحمد، الكويت نموذج مضيء في الحريات الدينية وتعزيز قيم الإخاء والمحبة والتسامح الحقيقي.
الشهر الفضيل:
هذه هي عادات وتقاليد أهل الكويت وفيها نلتقي بمناسبة أخرى كانت ولاتزال، وهي مناسبة (القرقيعان) التي يجتمع فيها أطفال الحي ويمرون على بيوتات الحي، حيث تقدم لهم الحلويات والمكسرات المختلفة بعد أن يرددوا أهازيج حفظناها ونحن صغار:
سلم ولدهم يالله
خله لأمه يالله
سلم (اسم الابن) يالله
خله لأمه يالله
قرقيعانُ قرقيعان بين اقصير ورمضان
عادت عليكم صيام
كل سنة وكل عام
يالله تخلي ولدهم يالله
خله لأمه يالله
عسى البقعة ما تخمه
ولا توازي على أمه
عساكم تعودونه
كل سنة وتصومونه
ختاماً،
ندعو المولى عزوجل فى هذا الشهر الفضيل أن يحفظ بلادنا وأن يعم الأمن والأمان والسلام في ربوع العالم بكل دياناته ومذاهبه، فالأمن والأمان مطلب إنساني يشترك فيه كل الشعوب.
اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.
التعليقات