كلمة معالي وزير التعليم في ملتقى الميزانية أخذت مساراً واضحاً نحو إعادة تعريف التعليم بوصفه صناعة تقود اقتصاد المستقبل، وتؤسس لنمو طويل الأمد تدعمه معطيات واقعية في حجم الإنفاق، واتساع نطاق التحول، وتطور البنية الرقمية، وتنامي الحاجة الوطنية إلى مخرجات بشرية قادرة على الاندماج في اقتصاد متعدد القطاعات..
هذه المقاربة الاقتصادية للتعليم تتقاطع مع رؤية المملكة 2030 وبرنامج تنمية القدرات البشرية، الذي رسخ فكرة أن الاستثمار في الإنسان هو المحرك الأهم لأي تحول اقتصادي مستدام، وأن إعادة صياغة مفهوم التعليم تمضي نحو بناء قطاع منتج يرفد سوق العمل بمهارات نوعية، ويولد قيمة مضافة.
عندما تتجه الدولة إلى تخصيص أكثر من 200 مليار ريال للتعليم العام والجامعي والمهني، فهذا يعكس قناعة بأن التعليم عنصر رئيس في رسم ملامح الاقتصاد الوطني خلال العقود القادمة.. وفي نطاق هذه الميزانية، يظهر تخصيص 30 مليار ريال لتعزيز البيئة التعليمية من خلال مشاريع جديدة وتطوير البنية التحتية وتأهيل المدارس، كمسار يهدف إلى رفع كفاءة نواتج التعلم عبر بيئات مناسبة تدعم تنمية المهارات، وتفتح المجال أمام تكامل أعلى بين المدرسة والمجتمع، وبين الطالب ومتطلبات سوق العمل.. هذا الإنفاق سيكون له أثر ينعكس على جودة المخرجات.
ويتضح المشهد أكثر عند النظر إلى تخصيص أكثر من 4 مليارات ريال لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للتعليم، ضمن توجه يركز على جودة المدخلات البشرية في منظومة الاقتصاد، ويضع المواهب من السعوديين والسعوديات في دائرة الرعاية المبكرة، ويمنحها المسارات التي تصنع توازناً بين المعرفة والمهارة.. كما يبرز أكثر من ملياري ريال للبنية التحتية الرقمية، وهي خطوة تمثل انتقال التعليم إلى فضاء يعتمد على البيانات والمنصات، ويعزز التكامل مع التحول الرقمي في الاقتصاد.
المنصات التعليمية الرقمية أصبحت اليوم جزءاً من الحركة الاقتصادية للمعرفة.. نرى منصة مدرستي تخدم أكثر من 7 ملايين مستفيد، والمنصة الوطنية للتعليم الإلكتروني FutureX تضم أكثر من 2000 جهة تعليمية محلية وإقليمية ودولية، استفاد منها أكثر من مليوني متعلم في جهات حكومية وخاصة.. أرقام تعكس حجم الطلب على المحتوى التعليمي الرقمي، وقدرته على بناء اقتصاد معرفي قائم على التعلم مدى الحياة، ومبني على بنية تحتية توفر بيانات دقيقة، تسهم في اتخاذ قرارات أكثر كفاءة وتوجهاً نحو الاحتياج الفعلي.
باعتقادي هذا المشهد يعكس توجهاً اقتصادياً واضحاً نحو تحويل التعليم إلى قطاع منتج، يعزز التنوع الاقتصادي ويرفع كفاءة الإنفاق ويخلق قيمة مضافة مستمرة.. نتائج هذه الجهود ستتضح أكثر السنوات المقبلة..
فهد القثامي















التعليقات